مع إطلالة الشارة الرئيسية لمسلسل ” في حضرة الغياب” الذي يروي حياة الشاعر العربي الراحل محمود درويش ، حمل مجموعة من الشبان في رام الله ، والبعض من الكتاب في سورية أقلامهم وأصدروا البيانات الجارحة والانتقادات اللاذعة لمنتج العمل والذي يجسد شخصية درويش ، الفنان فراس ابراهيم متهمين إياه بالإساءة إلى الشاعر الراحل. ولأن الصحافة ، وبكل أسف، لم تغط إلا رأيا واحدا ، وتغاضت بشكل أو بآخر عن الرأي الآخر ، فقد استشهد الأشخاص الأقرب من عائلة الراحل محمود درويش و جمعنت آراء أخرى لمجموعة من الكتاب والأدباء والفنانين والنقاد ممن رأوا في المسلسل وجها آخر زوجة محمود درويش : حياة الحيني اوضحت حبها بمسلسل محمود درويش قائلة: أعجبت بالعمل بشكل كبير ,وانني أقوم بمتابعة العمل ثلاث مرات او اكثر يوميا , وبنظري الشخصي أن كل من نقد العمل تسرع بشكل كبير , والصورة اختلفت تماما حتى أنني أعتبره أهم عمل عربي لهذا العام , وانني كزوجة محمود درويش والأعرف بداخليه وصفات الراحل , أؤكد اعجابي المطلق بكل ما قدم وأشكر كل القائمين على العمل واعتبره بكل صدق , عمل متكامل يحتوي على كل العناصر, وإنه استطاع تحقيق كل المعادلات الفنية لاظهار حياة الراحل بصورة ايجابية . أما الاخ الاكبر لمحمود درويش الأستاذ أحمد درويش أكمل قائلاً : القصة كانت رسالة حب لأخي واشكر كل من قام على العمل لأنه قدم محمود بصورة ايجابية وقدم الحكاية بطريقة متناسبة ولطيفة , وأنا ضد أي هجوم لاحق العمل خصوصا في حلقاته الأولى لأنني اطلعت على قصة العمل قبل التصوير , وأحببت كل جملة كتبت بالسيناريو , وكانت نية المنتج والممثل فراس ابراهيم صافية تجاه العمل وقدمت بأفضل ما يمكن , واعتقد أن روح الشاعر مرتاحة لما قدم من عمل يحمل اسمه ضمن حكاية هادئة كانت هدية لما قدم الشاعر عبر حياته الأدبية و الشعرية . ورحب الصديق الشخصي لمحمود درويش .. المحامي غانم زريقات بالعمل ككل وأضاف : أحيي الفنان فراس ابراهيم على كل ما قدم من أجل احياء ذكرى الصديق الراحل محمود درويش وانا شخصيا معجب جدا بهذا العمل بكل الإمكانيات التي قدمت من اجل تقديم الصورة بأبهى حلة , رغم كل الظروف المادية والصحية التي أحاطت بالفنان فراس ابراهيم ,الا انه أبى الا أن يرى العمل النور هذا العام ويتمتعنا بمشاهد فائقة الجمال , وأنا توقعت الهجوم على العمل منذ الحلقة الأولى وهذه التهمة ابتعدت عن محاربة العمل كانت ضمن حسابات شخصية بعيدة عن الحالة الفنية للعمل , فكل من شارك بالعمل هم من اهم العناصر الفنية والدرامية من الموسيقار مارسيل خليفة الى المخرج نجدة انزور الى أبطال ونجوم العمل , أخير أقول أن العمل الذي قدم عن حياة الراحل محمود درويش هو جدير بالاحترام وحقق نجاحاً فوق التصور. اما الأديب المسرحي فرحان بلبل فقد علل الهجوم عن العمل فأجاب: تابعت بضعة حلقات من المسلسل الذي يستعرض حياة الشاعر الكبير محمود درويش ، وكنت في نفس الأثناء أقرأ في الصحف مقالات ناقدة وبشدة للعمل ، فكنت أستقرئ ما يقصده الكتاب في الصحافة من كتاباتهم ، لكنني ، وللحقيقة ، لم أجد أي رابط بين نقدهم وبين الحقيقة التي نشاهدها على الشاشة. مسلسل محمود درويش والذي يخرجه المخرج الكبير نجدت أنزور ، هو بحق من المسلسلات التي يمكن الاعتداد بها والثقة بما يتم طرحه عن حياة المشاهير ، فالمسلسل لم يأت بشيء من بناة أفكار الكاتب أو المخرج ، كما أنه لم يأت بشيء من حياة درويش مسيء له . المسلسل باختصار يؤرشف ليس لحياة درويش فقط ، بل لمرحلة هامة من تاريخ القضية الفلسطينية ، وأنا عاتب على بعض الأقلام التي استخدمت النقد اللاذع لمنتج العمل فراس ابراهيم لأنني لم أر بفراس ما ينقص من قدر درويش. الكاتب القدير حسن م يوسف فقد كان له رأيه الخاص فتحدث قائلاً : لن أتحدث بصفتي كاتب العمل للدفاع عن الإخراج أو الإنتاج ، فبإمكاني مثلا أن أدافع عن النص الذي كتبته وأكتفي بذلك ، لكن قناعتي بما يعرض على الشاشة من مشاهد أخاذة هي أن أدافع بما أوتيت عن المسلسل ككل ، وعن شخصية محمود درويش التي يجسدها الفنان فراس ابراهيم. أريد أن أسأل : كيف يمكننا تقديم حياة المشاهير؟.. وسؤال آخر: أليس ما يريده عشاق أولئك المشاهير هو ألا تظهر عيوب عظمائهم ؟...حسنا ، في مسلسل ” في حضرة الغياب” يقدم المخرج والمنتج شخصية محمود درويش وسلوكها الحسن ومحيطها العاشق لها ، دون أي تطرق لسلبيات لا يمكن إلا أن تكون قد حضرت في حياة الرجل ، وهو اعترف في بعضها من خلال كتاباته وأشعاره... بيد أننا لم نلاحق هذه السلبيات واكتفينا بتناول أعاجيب محمود درويش إرضاء لروح الرجل ولعشاقه، ولنا نحن كمحبين له ولشعره وإبداعه.أما من تحدث عن شخصية درويش وكيف أن الفنان فراس ابراهيم هو من أداها ، فنقول له إن فراس ابراهيم فنان له باع طويل في الدراما ، وهو جاء بوجه درويش وعمل على منح الصوت نغمة درويشية ترضي عشاق الرجل .لا أعتقد بأن هناك مشكلة، إلا المشكلات الشخصية، وهذا مالا يستطيع أحد تجاوزه وخاصة في هذا العصر. قمر الزمان علوش” كاتب سيناريو متخصص بمسلسلات السيرة الذاتية”: لا أعتقد بالمطلق أن ما يقدم في مسلسل ” محمود درويش” قد قلّ عما قدمناه في مسلسل ” نزار قباني” الذي كتبته قبل سنوات قليلة ونال إعجاب الناس على امتداد العالم العربي ، إلا أن السهام لم تنم في تلك الفترة، فخرج علينا من ينتقد وبشدة كل شيء في المسلسل ” المخرج وأنا والبطل الذي كان تيم حسن”. بالنسبة لمحمود درويش ، فالنص مكتوب بإتقان واحترافية عالية ، وهو من النصوص التي يجب أن تخلد في ذاكرة دراما السيرة الذاتية . وبالنسبة للإخراج ، فليس على المخرج أن يقدم أكثر مما يقدمه أنزور في المسلسل ، وكذلك شخصية درويش التي يجسدها الفنان فراس ابراهيم ، فهي شخصية متعوب عليها من قبل ممثلها لأنه كان يعلم أنه سيلاقي الكثير من النقد والنقد الشديد. أدعو المنتقدين إلى التريث ، فما كان عليهم أن يخرجوا ببيان من أول ساعة ، فهذا يضعهم موضع الشبهة إن لم يكن الشك ، وأتمنى أن تزول الأزمة بانتهاء عرض العمل. واكمل النجم عبد الرحمن ال رشي : لا أعتقد أن فنانا نشيطا ومثابرا مثل فراس ابراهيم سيأتي بمال كبير ليصرفه على مسلسل” فقط” لكي يسيء إلى شخص رجل كبير وأحد أساطير القرن العشرين في العالم العربي مثل محمود درويش . وليس هو فقط من لا يفعل ذلك ، بل إن المخرج والممثلين والناس الذين يحبون نجوم العمل ، لن يفعلوا ذلك ولن يسمحوا بذلك لأننا في عالم عربي ما زال ينظر إلى مشاهيره نظرة القدسية. مسلسل ” في حضرة الغياب” واحد من أهم مسلسلات السيرة الذاتية على الإطلاق ، وهو لم يسيء لمحمود درويش إلا إذا اعتبرنا أن النقد اللاذع الذي تعرض له بطل المسلسل ، نقدا بناء. لا يمكن لأي شخص يريد تجسيد حياة شخصية مثل محمود درويش أن يأتي بجديد عن حياة الرجل أو أن يبتكر من عنده عالما آخر من عوالم الشخصية التي كانت تتمتع بثقة كل الناس ، والسؤال هنا : ألا يتمتع درويش ” الدرامي” بثقة كل محبيه ؟ وهل من خلل في تركيبة حياة الرجل ؟ ,أين أتى المخرج أو الكاتب أو الممثل بشيء لم يكتب بقلم درويش؟... أعتقد أن هناك تجنيا واضحا على المسلسل ، وأرى أن المنتقدين يجب أن يؤجلوا كل شيء حتى نهاية العمل ، أما قرارهم بإعدام العمل بعد أول حلقة ، فهذا يجعل مصداقيتهم بعيدة عن أي موضع قابل للنقاش. النجم أيمن زيدان كان له رأي خاص فأوضح : ليس من عادات الدراما السورية أن تسيء لأي شخصية اعتبارية، عربية كانت أو عالمية ، وكل ما تقدمه الدراما السورية ، في العادة، يكون معمولا بدقة فائقة لتجنب الدخول في أي سجالات جانبية تفسد الكثير من الأهداف السامية التي انطلقت الدراما من أجلها. أنا هنا مضطر ، وبحكم أني من أهل الدار الدرامي السوري، للدفاع عن مسلسل ” في حضرة الغياب” وذلك لعلمي وإلمامي بما يفكر به المنتج والفنان المحترم فراس ابراهيم قبل أي مسلسل ينتجه وبخاصة عندما يكون عن مسلسلات السيرة الذاتية. شاهدت بعض الحلقات في المسلسل ، وفيه لم أجد ما يقل بأي شيء عن أي مسلسل سير ذاتية ينتجه المصريون مثلا ، أو مما أنتجه السوريون في الماضي. النص رائع، والإخراج دقيق، وشخصية محمود درويش محترمة إلى الحد الذي لا يجوز إهانة مجسدها، وأعتقد أن من كتب بيانات الإدانة قد استعجل وسيراجع نفسه لاحقا ، وبخاصة أن المسلسل أصبح أمرا واقعا لا يمكن حذفه من ذاكرة الدراما العربية. نبيل المالح” مخرج وكاتب سينمائي”: الجميع في المسلسل من مخرج وكاتب وممثلين، وبخاصة بطل المسلسل، اجتهدوا وجهدوا كي لا يخرج مسلسل ” محمود درويش” إلا بالصورة التي تناسب شخص الرجل الذي أحبه العرب قاطبة وكان بحق رمزا للقضية الفلسطينية طوال نصف قرن من الزمن. لم أجد في المسلسل ما يمكن اعتباره إساءة لمحمود درويش، والهجمة التي تنال من فراس ابراهيم أراها غير مبررة ، والسبب في ذلك أنها تتناول عبارات تفيد بإساءة فراس لدرويش والإساءة لم تقع في أي مشهد. أعترف بأن أي مسلسل سيرة ذاتية لا يمكن أن ينال رضا كل الناس ، كما أنه لا ينال رضا أي مشاهد بنسب 100% فهناك ما يمكن أن يزعج المشاهد الراضي بعمومية العمل ، وهناك أشياء كثيرة تكون مرضية ... لكن أن يعتبر المسلسل مسيئا من شارة المسلسل وحتى النهاية فهذه قضية أخرى ليس لها علاقة بالمسلسل. أعتقد أن النهاية ستكون شبيهة بنهاية مسلسل أسمهان الذي أنتجه فراس ابراهيم وكتبت أنا نصه مع قمر الزمان علوش، بحيث سيعود المنتقدون إلى رشدهم ويعترفون بأن العمل كان جيدا، وأن الغريزة أخذتهم بسرعة في البداية. كوليت بهنا” باحثة مسرحية وناقدة”: لا أرى أنه من الممكن لأي شركة إنتاج ، حتى لو كانت في هوليود، أن تصنع مسلسلا لسيرة أحد مشاهير العالم بدقة عالية وتفاصيل دقيقة أو أن تأتي بشخصية تركب على وجه وجسد وحركة الشخصية التي يتناولها المسلسل أو الفيلم. هذا الأمر لا يجوز أن تكون شركة فراس ابراهيم استثناء به ، ففراس ابراهيم يعمل ما بوسعه ليخرج بشخصية محمود درويش إلى الحياة من جديد، ويؤسفني أنني كنت أقرأ عبارات وانتقادات لاذعة للرجل قبل وأثناء تصويره للمسلسل ، فهل هذا يدخل في إطار النقد المنطقي، بل هو في إطار أخذ موقف شخصي. العمل ليس مثاليا 100% لكنه أيضا لا يبتعد بشيء عن أي عمل آخر من الأعمال التي اعتبرت خالدة في حياة دراما المشاهير ، والأمور يجب أن تصفى على طاولة حوار وليس عبر بيانات تكتب عن بعد وتقرأ عن بعد.