عام واحد تقريباً، هو مجموع ما قضاه ماتياس كريستيانسن (33 سنة) في سورية على مدى أربع زيارات، ابتدأت بزيارة قصيرة عام 2007 وانتهت بتسعة أشهر ما بين تشرين الأول (أكتوبر) 2010 وحزيران (يونيو) 2011، إذ غادر البلاد بشكل نهائي بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على اندلاع الثورة واتساع رقعة الاحتجاجات. لكن العام اليتيم هذا كان كافياً ليخلق ارتباطاً من نوع خاص بين الشاب السويدي والبلد الشرق أوسطي، توّجه بإطلاق مشروع إعلامي بعنوان «الناشطون السوريون الشباب Young Syrian Activists» يهدف إلى نقل صورة مختلفة عن الأحداث السورية إلى الجمهور الأوروبي. كريستيانسن الذي جال في أنحاء سورية خلال عمله مع الصليب الأحمر الدنماركي يقول ل»الحياة» إنه شعر «بالغرابة بعيد المغادرة»، ويضيف: «كان صعباً أن تسافر من أجل عمل جديد في (العاصمة البلجيكية) بروكسيل، شعرت أنني أتمتع بامتياز لا يملكه السوريون الذين كان عليهم أن يواجهوا مصائرهم». المقاربة الإعلامية للحدث السوري في وسائل الإعلام الغربية دفعت كريستيانسن للانطلاق في مشروعه. «ثمة نقص في نقل قصص المواطنين السوريين وثمة نقص أيضاً في التغطية الإعلامية حول ما هي سورية وما كانت عليه، هناك تركيز كبير على القتال بينما يغيب تناول الكيفية التي بدأ فيها كل هذا وبخاصة قصص الأفراد العاديين»، بحسب ما يوضح. يشير الشاب الحاصل على ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة لندن إلى أن «الإعلام الأوروبي يركز على قضايا التسليح واللاجئين والإرهاب والأسد»، وفيما يؤكد أهمية تركيز وسائل الإعلام على هذه القضايا يرى أن «جزءاً من النقص بمساعدة اللاجئين على سبيل المثال يرجع لنقص المعلومات حول سورية، فالجمهور الأوروبي لا يعرف تفاصيل ما وراء هذه الأخبار»، وهو يرى أن التظاهرات التي اندلعت في تركيا وتونس ومصر أحدثت رد فعل مختلف لدى الغربيين لأنهم شعروا أنهم على علاقة ما بهذه الدول أو سبق لهم أن زاروها وبشكل أخص مدينة إسطنبول التركية. توافرت لدى كريستيانسن الفرصة للحصول على تمويل جزئي للمشروع من مكان عمله الحالي، وهو منتدى الشباب الأوروبي، وتم تأمين جزء آخر من التمويل عبر منظمتين غير حكوميتين بالإضافة إلى تلقي تبرعات محدودة من أفراد. فانطلق المشروع بالتعاون مع شابين أوربيين آخرين، البلجيكي فيليب هايجنز (30 سنة) والبريطاني توماس سبراغ (28 سنة). في حزيران (يونيو) من العام الماضي، سافر فريق العمل إلى لبنانوتركيا حيث صورا فيلماً وثائقياً يتم حالياً وضع اللمسات الأخيرة عليه فيما تم إطلاق إعلانه الترويجي، ومن المفروض أن يعرض هذا الصيف على أن يشارك في مهرجانات للسينما الوثائقية، ويتضمن لقاءات تم إجراؤها في بيروت وعاليه في لبنان ومدينتي غازيعنتاب وهاتاي في تركيا مع 13 ناشطاً وناشطة ينحدرون من مناطق وطوائف واتجاهات مختلفة في سورية. ويسعى الفريق إلى إقامة معارض تصوير فوتوغرافي تعرض جانباً من حياة الناشطين إلى جانب أعمال لفنانين سوريين، فيما تتم دراسة خيار جمع صور الناشطين وحكاياتهم في كتاب. يرى كريستيانسن الذي لعب دور المنتج المنفذ للفيلم وشارك بإعداده على رغم أنه لا يملك أي خلفية سابقة في عالم الأفلام الوثائقية أن المشروع يأخذ شكل «الديبلوماسية العامة» التي تسعى لإقناع الجمهور بقضية ما، وهو يعتقد أن «الناشطين السوريين كانوا جيدين بنقل الرسائل داخل بلدهم، لكنهم لم ينقلوا رسائلهم إلى الخارج، ولم يطوروا بنى أو مؤسسات تتجاوز المستوى الفردي مما سهّل على النظام استهداف الثورة لأنها مبنية على أفراد أكثر من مؤسسات أو تنظيمات». يلفت كريستيانسن إلى أن المشروع نجح حتى الآن في «بناء جسر بين عدد من الصحافيين الغربيين والناشطين السوريين حيث لا تتوافر دائماً معلومات للاتصال بالناشطين»، مضيفاً أن موقع المشروع على شبكة الإنترنت هو «فضاء عام لناشطي المجتمع المدني السوري»، لكن العمل واجه أيضاً بعضاً من العوائق في مقدمها «تردد الناشطين عندما يتعلق الموضوع بالأجانب» وهو ما يعزوه الشاب السويدي إلى «العزل الذي فرضه نظام الأسد على سورية على مدى عقود وبالتالي تعممت ثقافة من التردد تجاه الأجانب بين السوريين». عائق آخر واجهه فريق العمل، «عندما بدأنا المشروع، بدا لنا أن عدداً كبيراً من الناشطين كانوا سئموا من الحديث للإعلام»، وفق ما يقول كريستيانسن الذي لم يسأم من محاولاته نقل صورة مختلفة لما يجري في سورية.