يغفل الكثير من المقاربات لتطور الموقف الخارجي حيال التدرج الدراماتيكي والدموي للأحداث في سورية مدى تأثير الموقف الإيراني في أي تغيير في سورية، وبالتالي في أي تفاوض يجري على تسوية الأمور فيها. وإذا كانت وقائع الأيام الأخيرة، في سورية، سواء لجهة الحملة الأمنية الدموية التي شنها النظام السوري في عدد من المدن، وخلّفت عدداً كبيراً من القتلى، أم لجهة الإيحاء بأن الضغط العربي – الخليجي - الغربي – التركي الذي توّج بزيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الثلثاء لدمشق، يطرح إمكان التوصل الى صيغة تسوية ما للأزمة السورية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه مرة أخرى: أين طهران من صيغة كهذه إذا صح أن ثمة فرصة لتسوية بين النظام وبين معارضيه؟ وأين تقف طهران من توجه كهذا؟ ومن دون إغفال القول إن ما من قوة خارجية، سواء كانت متعاطفة مع المعارضين السوريين أم مع النظام، قادرة على التحكم بدينامية الصراع بين طرفيه، فإن المراهنة على أن يؤدي الضغط الخارجي الى فرملة الخيار الأمني للنظام لمصلحة الخيار السياسي، تبدو صعبة من دون تصور دور طهران في إقبال النظام السوري على ترجيح خيار على آخر. ومقابل اعتبار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن ما يجري في سورية شأن تركي داخلي، فإن طهران هي الأخرى تصرفت على هذا الأساس معتبرة الوضع في سورية شأناً إيرانياً بامتياز، ورأت في ما يحصل مؤامرة خارجية على سورية بسبب موقفها المقاوم. وكان طبيعياً أن تنظر طهران الى إسقاط النظام تحت وطأة ضغوط الداخل والخارج، أو تغيير طبيعته، باعتباره خسارة ورقة رئيسة من أوراقها الإقليمية التي نجحت في تجميعها خلال السنوات الأخيرة، لن تتخلى عنها بسهولة. وإذا كانت القيادة الإيرانية تعاطت مع الجهود الخارجية، لا سيما التركية، خلال زيارة أوغلو قبل شهر لطهران، في 10 تموز (يوليو) الماضي، على أساس «أننا إذا خيّرنا بين سورية وتركيا، نختار سورية»، فإن وقائع الأسابيع الماضية لم تكذّب هذا الخيار. فسورية أيضاً وضعت نفسها في خانة الخيار الإيراني، منذ البداية، مقابل الخيار التركي الداعي الى تسريع الرئيس السوري للإصلاحات وتنفيذ وعوده. وفضلاً عن أن طهران لعبت دوراً في تقديم النصائح الأمنية وواكبت من الداخل السوري خطط النظام لقمع الانتفاضة السورية، كأن الأمر شأن داخلي إيراني، فإنها وظّفت نفوذها في العراق لتأمين أسباب الدعم الاقتصادي للنظام عبر إمداده بالنفط والمواد الاستهلاكية الضرورية في مواجهة تأثير العقوبات الغربية الاقتصادية على توافر السيولة في سورية، وأمّنت مساعدات مالية مباشرة لتوفير هذه السيولة، بل إن الكثير من العارفين يعتبر أن واحداً من أسباب خروج الدول الخليجية عن صمتها إزاء التطورات في سورية وتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رسالته في 7 آب (أغسطس) الى سورية، التي دعا فيها القيادة السورية الى الخيار بين «الحكمة وإيقاف آلة القتل وبين الانجراف الى الفوضى والضياع»، هو فقد الأمل بإمكان فك ارتباط النظام بإيران ومشاريعها للمنطقة، التي تشمل الدول الخليجية بالتأكيد. وهذا الاستنتاج لم تكذبه الإيحاءات السورية أيضاً، إن على لسان المعلّقين الناطقين باسم النظام، وحلفائه في لبنان الذين يهددون باستخدام طهران أذرعتها وأوراقها المتعددة في عدد من الدول العربية لمواجهة محاولات إسقاط النظام السوري، بتحريك معارضين لأنظمة الخليج، وإحكام قبضة «حزب الله» أكثر في لبنان، وصولاً الى إمكان فتح مواجهة عسكرية في جنوبه، وبشن حرب جديدة على الوجود الأميركي في العراق والتشدد في التفاوض على بقاء بعض القوات بعد الانسحاب المقرر آخر السنة. وإذا كان كل ذلك يحوّل سورية أكثر من أي وقت الى ورقة إيرانية لأنه يربط مصير الحكم فيها بخطط طهران، فإن الحديث عن سيناريوات أقل كلفة من التي يفرضها اشتراك مواجهة شاملة في المنطقة تخوضها طهران دفاعاً عن النظام، عبر دخولها في تسوية ما على رأسه، لا يفعل سوى تكريس دور طهران في سورية. فهذه السيناريوات تشير الى أن طهران قد تتخلى عن الورقة السورية مقابل التسليم الأميركي بنفوذها الكامل في العراق في مفاوضاتها الجارية تحت الطاولة مع واشنطن حول ذلك، لكن حملة حلفائها، لا سيما تيار مقتدى الصدر، لا تدل الى نجاح هذه المقايضة، والسيناريوات القائلة بأن طهران تسعى الى استبدال اتكائها على ورقة سورية بالتصالح مع مصر، وإنها فتحت منذ مدة غير قليلة اتصالاتها مع المعارضة السورية وتحديداً مع «الإخوان المسلمين» استدراكاً لتغيير النظام، كلها تؤشر الى أن إيران عامل، سلبي أو إيجابي في الشأن السوري الراهن. فهل الاندفاعة التركية الأخيرة، المدعومة عربياً ودولياً، أخذته في الاعتبار؟