لم يكن الاعتصام التضامني مع الشعب السوري في ساحة الشهداء التحرك الاول في بابه. سبقته وقفات احتجاجية وتظاهرات في بيروت وخارجها. لكن التجمع في وسط بيروت جاء ليؤكد وقوف المجتمع المدني اللبناني في وجه نزعتين تغذي أحداهما الأخرى. الأولى هي تجاهل ارتباط لبنان العضوي بمحيطه، بالمعاني الاجتماعية والثقافية والانسانية كلها، وليس فقط كساحة لصراعات المحيط هذا. والثانية، اللامبالاة المعيبة حيال تدهور اوضاع الحريات العامة والفردية في لبنان. الداعون الى التضامن مع الانتفاضة السلمية للشعب السوري، ارادوا، إضافة إلى ما سبق، التأكيد ان ما يجمع ساحة الشهداء وساحة المرجة في دمشق حيث أعدم الاستبداد العثماني أحرار لبنان وسورية، يتجاوز بأشواط شعارات «المسار والمصير» وغيرها مما لم يرد أصحابها غير تأبيد سطوتهم وهيمنتهم. في ساحة الشهداء مساء اول من أمس ومن حناجر مئات الشباب اللبنانيين والسوريين، صعدت صرخات تطالب بإعادة صوغ واقعية وعملية لعلاقات لبنانية - سورية يشوبها منذ عقود قدر كبير من الصور النمطية والأحكام المسبقة واستسهال الاقصاء والتعالي واللجوء الى العنف والقهر. اختلال العلاقات الذي دفع اللبنانيون والسوريون اثماناً باهظة له، لن ينتهي قبل تغيير النظام السياسي في سورية وسقوط الشوفينية اللبنانية، الموزعة بالتساوي على الطوائف والجماعات وإن أنكر من أنكر. وعلى رغم الطابع الانساني والوجداني في الدعوة الى التضامن مع شعب أعزل يواجه آلة قمع عاتية، سبق أن خبِرها اللبنانيون وتعرفوا الى أنيابها وقواطعها، غير أن البعد السياسي لم يغب عن بال الداعين الى التجمع الذين أصروا على أن يضم صفهم أسماء من ضفتي الانقسام السياسي اللبناني السقيم. لكنها أسماء يُجمع حاملوها على عدم التفريط بمستقبل سورية ولبنان، وعدم الانزلاق إلى خيارات عنفية او دموية وعدم التنازل عن تاريخ من التمسك بالسيادة الوطنية، في البلدين. ولم يكن غريباً ان تُشن حملة تشويه وتشويش على التجمع عبر بعض الأصوات التي اجتهدت في تصنيع الإشاعات واستمرت في عملها الى ساعة الاعتصام. لكن المنظمين رأوا في الحملة جزءاً من الحق الديموقراطي في التعبير عن الرأي المختلف أولاً، وضيق أنصار الحكم السوري في لبنان وبرمهم، بكل صوت يقول لا للقمع، بغض النظر عن الذرائع والواجهات المرفوعة. أخيراً، كان التجمع مناسبة ثمينة للتأكيد بأن سورية تريد الحرية، وفق كلمات المنشد الحموي الشهيد ابراهيم قاشوش، وأن لبنان يريدها بالقدر ذاته وربما أكثر.