الأخبار الواردة من مكتبي رئيسي الجمهورية جلال طالباني والوزراء نوري المالكي، تفيد بأن تحركاً واسعاً بدأه الرجلان من أجل «تعميق العلاقات بين بغداد ودمشق» مع أن الأخيرة قمعت و«بوحشية» احتجاجات شعبية واسعة بدت في أحاديث واسعة لمسؤولين وسياسيين في بغداد وكأنها «صدى للتجربة الديموقراطية العراقية»، لكن تلك الأحاديث ما لبثت أن تحولت إلى اصطفاف حكومي عراقي واسع مع «سورية الأسد»، تبلور منذ أوائل تموز (يوليو) الماضي حين استقبل المالكي وفداً اقتصادياً سورياً كبيراً وأعاد الكرّة ثانية قبل أيام، فيما أرسل الطالباني نائبه المستقيل والقيادي في «المجلس الإسلامي الأعلى» عادل عبد المهدي موفداً إلى الرئيس الأسد ونقل إليه رسالة خاصة جاءت بعد مرتين التقى فيهما الطالباني السفير الأميركي ببغداد خلال أقل من 72 ساعة. المالكي كان جدّد للوفد الاقتصادي السوري «الكبير» ثقته بالنظام السوري وقيادة الرئيس بشار الأسد، وقال «نحن على ثقة بقدرة الشعب السوري الشقيق وقيادته على تجاوز التحديات التي تواجههم»، لافتاً إلى أن «استقرار المنطقة ككل مرتبط باستقرار سورية وأمنها». وبحث المالكي الذي كان هاجم سورية ونظامها قبيل الانتخابات السابقة في آذار (مارس) 2010 خلال لقائه السوريين «تفعيل جميع مجالات التعاون بين العراق وسورية، لا سيما في المجالين الاقتصادي والتجاري»، مشدداً على «العلاقة التكاملية بين البلدين». وجاء التغيير في خطاب المالكي حيال سورية وتأكيده التحالف مع الأسد، إثر إعلان الأخير تأييده تولي المالكي رئاسة الوزراء بضغط من إيران. بعد ذلك اللقاء أكدت مصادر عراقية أن المالكي أمر مستشاره للأمن الوطني فالح الفياض بالاتصال مع مساعد رئيس الجمهورية لشؤون الأمن في سورية محمد ناصيف (أبو وائل) عارضاً على دمشق «إبداء أقصى ما يمكن من مساعدة في أزمتها الحالية» المتمثلة باحتمالات خطر جدي يتعرض له نظام الأسد مع استمرار الاحتجاجات الواسعة ضده وتصاعد الضغط الدولي. ورجحت المصادر أن تكون «المساعدات الاقتصادية العراقية وفي مجال النفط الذي سيقدم لسورية بأسعار تفضيلية مهمة في تخفيف الضغط على النظام في دمشق مع ازدياد الضغط من رجال الأعمال السوريين الذين فقدوا معظم أعمالهم». وكان المالكي أبلغ النظام السوري بتغيير مهم في خريطة تحالفاته الإقليمية، يقضي بأن تكون دمشق بديلاً استراتيجياً عن أنقرة حيث أكد مصدر عراقي في وقت سابق من الأسبوع الماضي في اتصال مع «الحياة» أن المالكي قال لرجال أعمال سوريين التقاهم في بغداد أوائل تموز (يوليو) الماضي وكثير منهم مقرب من الرئيس بشار الأسد «إنكم ستأخذون مكانة تركيا في العراق نتيجة موقفها الداعم للاضطرابات في بلدكم العزيز». وأوضح المصدر أن المالكي أصدر أوامره بأن يتم وقف تنفيذ الاتفاقيات التجارية والاستثمارية كافة مع تركيا وتحويلها باتجاه شركاء سوريين. ويقول مراقبون إن «المالكي الذي كان يوجه اتهامات متواصلة لدمشق بدعمها الإرهاب في العراق، غيّر نبرته بعد أن دعمه الأسد بضغط من إيران في قضية توليه رئاسة الوزراء، فضلاً عن دوافع طائفية تأتي من وقوفه إلى جانب الحكم في سورية بعد أن بدا أمر سقوط الحكم أمراً وارداً». وتزامنت الزيارة الثانية للوفد الاقتصادي السوري إلى بغداد، مع توقيع اتفاقية اقتصادية أعلنت عنها طهران حيث تم توقيع اتفاقية أنبوب نقل الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر العراق وسورية. الدور الإيراني في دفع العراق إلى الاصطفاف مع نظام دمشق يبدو جلياً في تصريحات نواب عراقيين أبلغوا «الحياة» أن «طهران نصحت بغداد باتخاذ جملة إجراءات من شأنها تسخير الإمكانيات العراقية لدعم الحكم السوري». وقال عضو في «الائتلاف الوطني العراقي» المتحالف مع «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي إن «طهران أبلغت قادة التحالف الوطني الذي يقود الحكومة بتوفير الدعم المالي لدمشق بالإفادة من الاتفاقيات الأخيرة المبرمة بين البلدين وطهران لتوفير عشرة بلايين دولار تدفع لسورية لتجاوز أزمتها الحالية». وأكد النائب الذي رفض الكشف عن اسمه أن «التحالف الوطني سيشهد في الأيام المقبلة تغييراً بزعاماته استجابة لمطالب إيرانية لغرض ضمان تماسك وحدته وتجاوز الخلافات الأخيرة التي برزت بين مكوناته إثر اعتراضها على استفراد المالكي وحزبه في السلطة في العراق». وكان وفد بزعامة القيادي في حزب الدعوة الإسلامية عبدالحليم الزهيري زار إيران حديثاً وفق ما أكد النائب عن ائتلاف «دولة القانون» إبراهيم الركابي، مشيراً إلى أن «الوفد عاد من طهران حاملاً مقترحات إيرانية لدعم نظام الأسد». وكانت قضية إيداع مبلغ عراقي كبير كوديعة في البنوك السورية الحكومية، أحد المقترحات الإيرانية لدعم عراقي لسورية، والوقوف مع رئيسها بشار الأسد «لتمكينه من تجاوز الأزمة التي تشهدها بلاده». وكشف عضو ائتلاف «دولة القانون» شاكر الدراجي أن وفداً برئاسة القيادي في «حزب الدعوة الإسلامية» عبدالحليم الزهيري عاد من إيران الأحد الماضي بعد أن زارها الجمعة استجابة لطلب إيراني وبحث مع مسؤولين في طهران إمكانية تقديم الدعم اللازم لسورية، وقال الدراجي إن «الوفد عاد بجملة توصيات لاتخاذ إجراءات عاجلة من قبل رئيس الحكومة المالكي لمساعدة الرئيس الأسد لتجاوز المشاكل في بلاده». مؤكداً أن «المالكي بصدد إرسال وفد إلى دمشق في غضون الأيام القليلة المقبلة». اللافت أن الحكم في العراق يتخذ اليوم موقفاً يبدو نقيضاً للمثال الذي قالت واشنطن إنه سيقوم به: أي تشجيع الديموقراطية، لا في موقفه المساند للنظام في سورية وحسب، بل في قمعه الشديد للمحتجين العراقيين وقيام حكومة المالكي باحتلال «ساحة التحرير» ببغداد التي صارت موعداً أسبوعياً لتجمعات المحتجين، وذلك عبر استقدامه مئات من أعضاء «حزب الدعوة» وعشرات من عناصر الأمن والاستخبارات المتخفين بملابس مدنية والمرتبطين مباشرة بمكتب المالكي بصفته قائداً عاماً للقوات المسلحة التي لم تتردد في شباط (فبراير) الماضي وما تلاه في إصابة واعتقال العشرات تحت ذريعة أن القوى المحرضة على الاحتجاجات هي «من أزلام البعث والقاعدة». الاصطفاف العراقي مع النظام السوري وبتنسيق أو «ضغط» إيراني ليست بغداد في وارد مواجهته، يعكس في جوهره اتجاهاً طائفياً، فالأجهزة الإعلامية والمنابر السياسية المرتبطة بالمالكي وحزبه والأحزاب الشيعية الأخرى ما انفكت تبث أخبار «الظلم الذي يتعرض له الشيعة في البحرين» كأخبار ثانية في نشراتها وتعقد لها الندوات الحوارية، لكن هذا التضامن مع الاحتجاج الشعبي في البحرين ينقلب الى تشكيك بمثيله السوري، فتصبح الاحتجاجات الشعبية في سورية «حركات أصولية سنّية» طالما أن المستهدف بتلك الاحتجاجات هو «نظام البعث في سورية».