ما وقع فيه القيمون على مهرجان بعلبك من هفوات في حفلة الافتتاح، عالجوه في الأمسية الختامية التي استضافت عازف الجاز الشهير لويس هايز وفرقته مساء أول من أمس. التنظيم كان جيداً، والاستقبال أيضاً، وخلت الأمسية من الأخطاء التقنية. والأهم من ذلك كله أن الحفلة بدأت من دون تأخير، والتزم الحضور بموعدها، وتفاعل مع الموسيقى. كل شيء بدا مثالياً في حفلة هايز التي احتضنها معبد باخوس الأثري. أعمدة المعبد العملاقة حجبت الهواء، لتسمح للموسيقى بالتغلغل في الحجارة التاريخية العتيقة، والأجساد المتعبة من نشوة الموسيقى. شاب هيبي، بشعر طويل أفريقي التسريحة ولباس غير مألوف، أغمض عينيه طوال مدة الحفلة، وتفاعل مع الموسيقى بتحريك قدميه، وهز رأسه. لدى سؤاله لماذا لم يفتح عينيه طوال الحفلة، أجاب: «أسمع الموسيقى بروحي وكل حواسي، أغمض عيني لأشبع من النغم وأدخله في روحي، خصوصاً أن موسيقى هايز، تحفز المخيلة على التفكير وطرح آلاف الأسئلة». جلس هايز خلف الدرامز، كأنه جثة هامدة، تعب واضح في عينيه، وثقل في حركاته. لكن ما إن بدأت الحفلة، حتى استعاد شبابه وحيويته. من الواضح أن عزفه الموسيقى يمحو تعبه وينسيه ثقل حركاته، فيتحرك برشاقة وحرفية. عبّر الموسيقي الذي يعتبر من أبرز عازفي الطبول في تاريخ الجاز، عن سعادته لوجوده «في مكان أثري رائع»، وشكر لإدارة المهرجان استضافته وفرقته «كانون بول ليغاسي». تبادل الأدوار بين العازفين، وارتجال الموسيقى، سمح لكل منهم بإبراز مهاراته وحرفيته، ما أتاح للجمهور التفاعل والتصفيق مطوّلاً لكل عازف على حدة. طغى حضور الأجانب بين الجمهور في أمسية هايز، ما قد يبرز علاقة ملتبسة بين الجمهور المحلي وموسيقى الجاز. بيد أن هذا النوع من الحفلات يُرسخ، سنة بعد سنة، هذا النوع الموسيقي، خصوصاً إذا عرفنا أن غالبية المهرجانات اللبنانية تستضيف من ضمن فاعلياتها السنوية أكثر من أمسية للجاز، إضافة إلى مهرجان سنوي بات ينظم سنوياً منذ فترة في بيروت لهذا النمط الموسيقي. واللافت أيضاً، كان تفاعل العازف فنسنت هيرينغ مع الجمهور، إذ راح، بين مقطوعة وأخرى، يُعرّف بزملائه ويشكر الحضور على التزامه وإصغائه ويعبّر أيضاً عن إعجابه بمعبد باخوس. يعتبر لويس هايز واحداً من أبرز العازفين على الطبول في تاريخ الجاز. وتحمل سيرته في طيّاتها ماضياً مجيداً وحاضراً مليئاً بالجوائز والتكريمات. في سنّ الثامنة عشرة، انضم هايز إلى فرقة «هوراس سيلفر» الخماسية الأسطورية، ومكث فيها ثلاث سنوات، وأمضى السنوات الستّ التالية مع الفرقة الخماسية الرائعة «كانونبول أديرلي»، إضافة إلى سنوات طويلة أمضاها في التعاون الموسيقي مع أوسكار بيترسون وماك كوي تاينر ولويس ليد. وشارك هايز في قيادة سلسلة من الفرق مع فنانين أمثال ديكستر غوردون وفريدي هوبارد و وودي شاو والكثير غيرهم. وعمل هايز مع عظماء في فنّ الجاز أمثال جون كولتران، سوني رولينز، تيلونيوس مونك، ج.ج. جونسون، سوني كلارك، ويس مونتغمري، جورج بنسون، جو هندرسون وكثيرين غيرهم. حصد الكثير من الجوائز وشارك في غالبية المهرجانات الدولية على مرّ السنوات. له الكثير من الألبومات الناجحة ومن بينها الألبوم الأحدث Maximum Fire Power (قوة النار القصوى). شارك هايز، في الأمسية، اثنان من أشهر نجوم الجاز الحديث، وهما فنسنت هيرينغ على الساكسفون، وجيريمي بلت على البوق، وانضمّ إلى الفرقة أنطوني وُنسي على البيانو وريتشي غودر على البايس الإيقاعي.