لم تمنع الأحداث الاستثنائية التي تمر بها الثورة المصرية، وأحداث الشغب المتنامية والشد والجذب على الصعيد السياسي من الاحتفال بذكرى مرور 59 سنة على ثورة «23 يوليو» 1952، وفي هذا السياق افتتح أخيراً في مركز الحريّة للإبداع في الإسكندرية الصالون الأول لفناني الثورة تحت عنوان «ثورة فن» بإشراف عميد كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية هشام سعودي. ضمّ المعرض عدداً ضخماً من الأعمال الإبداعية ذات الطبيعة الثورية الحماسية التي تتأجج فيها المجموعات اللونية الساخنة وتشتعل فيها الخطوط السود الصريحة التي تتصارع لطمس دفقات من ضوء المستقبل في لوحات وتماثيل ومجسمات أنجزها تشكيليون من مختلف الأعمار والفئات والتوجهات في مجالات التصوير الزيتي والتصوير الجداري والغرافيك والخزف والكولاج والأعمال المركبة، والتصوير الفوتوغرافي. ورصدت الأعمال المشاركة الكثير من أوجه الشبه والمفارقة بين كل من ثورتي 1952 و2011 حيث وجه بعض الفنانين سهام النقد الى ثورة «يوليو» باعتبارها حادت عن الطريق الصحيح، في حين أظهر آخرون عظمتها مقارنة بما أحدثته من تغييرات جذرية في المجتمع المصري والعربي. وتناول آخرون «ثورة يناير» بأطروحاتها المختلفة وأعلامها ومواكب ثوارها وساحات التغيير فيها وما تثيره داخلهم من أمل وترقب وقلق على المستقبل. شكل المعرض تظاهرة حقيقية ليس للفن التشكيلي فحسب، بل لإرساء مرتكزات الحداثة الثورية في صلب الحياة اليومية حيث فتح نافذة جديدة لإبداعات شابة اقتنصت ملامح سريعة وخاطفة للحظة فارقة وتاريخية في حياة ثورة عاشوها وشاركوا فيها وثورة أخرى قرأوا عنها أو سمعوا عنها من أجيال أكبر سناً. ومن اللوحات المعروضة، لوحة زيتية لسارة راضي فيها هيكل عظمي لإنسان أنهكته الحياة على الأرض، ينظر الى السماء علَّه يجد فيها الخلاص، والى جواره ساعة قديمة وكأنها زمن «ثورة 1952» الذي ولّى بمساوئه وحسناته. واستخدمت راضي مجموعة لونية حيادية لا تتعدى الدرجات الرمادية، وفي الناحية الأخرى من اللوحة مصباح يصدر عنه ضوء بألوان زاهية يظهر وجوه أشباح أخرى وساعة مستقبلية وكأنه القلق من المستقبل في ظل الأحداث التي تعصف بثورة يناير. تقول ياسمين صلاح الدين، احدى المشاركات في المعرض: «حاولنا التعبير عما نشعر به تجاه ثورتنا المجيدة فنحن نعيش لحظات تاريخية لن تتكرر وهي اللحظات نفسها التي عاشها آباؤنا في ثورة 52، وتتمنى ياسمين أن تنهض مصر من كبوتها سريعاً وتحقق الثورة أهدافها». واللافت مشاركة الفنان الأرميني سركيس طوسونيان، والذي أكد سعادته بالثورة المصرية كونها أدهشت العالم بتحضر ثوارها. وقدم طوسونيان تمثالاً من البرونز لسيدة ممشوقة تقف في اعتزاز تحمل كرة لامعة تنظر إليها في ترقب حذر، وكأنها مصر تحاول أن تسبر أغوار المستقبل. يقول طوسونيان: «الصعيد الفني العربي يشهد حالة فريدة من الزخم التشكيلي هذه الأيام، ما أوجد حالات إبداعية سترقى لكونها مدارس يكشف عنها الستار قريباً». وفي سياق متصل، يرى رئيس مجلس إدارة مركز الحرية في الاسكندرية عصمت داوستاشي أن المعرض يؤكد رمزية هذا الفن المحترف الذي يمزج مشاعر الفنانين التشكيليين وما يحملونه من رؤى للثورة التي عاصروها وتلك التي لم يعاصروها.