يبدو أن مسلسل انتهاك الحريات الفكرية والإبداعية والفنية في لبنان يتواصل. فقبل سنوات أوقف الموسيقي مارسيل خليفة، بعدما قدّم أغنية «أنا يوسف يا أبي»، بحجة أنه لحّن جملة من القرآن الكريم، ما أشعل نقاشاً حاداً بين مؤسسات دينية وقضائية، ترافقت مع احتجاجات شعبية تطالب بإسقاط التهمة عن خليفة الذي لم يكن في نيته سوى تقديم عمل ابداعي. والسنة الماضية أيضاً، أوقفت مجموعة من الشبّان بعد انتقادها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، عبر موقع «فايسبوك» الاجتماعي. وأخيراً، أوقف الموسيقي والمغني الشاب زيد حمدان قبل يومين، للتحقيق معه على خلفية أغنيته «جنرال سليمان» التي صوّر الفيديو كليب الخاص بها المخرج الإيطالي جيجي روكاتي، وأطلق سراح حمدان بعد 8 ساعات من التحقيق. الأغنية التي لم تعرض على الشاشات المحلية، موجودة على موقع «يوتيوب» منذ سنة تقريباً، والغريب أن أحداً من رجال الرقابة لم يتنبه إليها إلا بعدما أرسل روكاتي نسخة منها على قرص «دي في دي» الى أحد أصدقائه في لبنان، فوقعت في يد الأمن العام الذي سارع الى البحث عن حمدان وطلبه للتحقيق في 20 و21 الجاري. يتحدث الشاب اللبناني في أغنيته التي أصدرها بعد انتخاب سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية، عن الفساد المستشري في لبنان، وسلاح الميليشات والتدخلات الأجنبية والاستخباراتية وصعوبة الحياة في ظل هذ الظروف الصعبة. هو نقد اجتماعي للواقع اللبناني من دون الغوص في التفاصيل أو الأحداث. لا يطرح حمدان حلولاً للأزمات، إنما يسعى إلى الإضاءة بطريقته الفنية على مشكلات البلد. ثم يختتم الأغنية بجملة «جنرال سليمان، إرحل» (go home general sulaiman)، وهذه الجملة هي التي أثارت حفيظة الأمن العام واعتبرتها قدحاً وذمّاً في حق الرئيس اللبناني. يقول حمدان ل «الحياة» إن «كلمة إرحل التي اختتمت بها الأغنية، ليست شتيمة، إنما موقف أردت التعبير عنه، لا أريد للسلطة العسكرية في لبنان أن تتدخل في السياسة، نحب الجيش ونقدر تضحياته شرط أن يبقى بعيداً من زواريب السياسة الضيقة». ويضيف: «حتى الآن لم أفهم لماذا استدعيت الى التحقيق، وعلى أي أساس خرجت، فعلاً الأمر معقد. عملي هو تقديم الموسيقى والتعبير عن آرائي من خلالها، الأغنية التي اعترض عليها الأمن العام ليست هجومية، بل هي نشيد للسلام وضد العنف، أنا لا أطالب بتغيير النظام، إنما أعبّر عن رأيي بحرية، وأقول في الأغنية كيف أن سليمان وحّد البلد وحاول إيجاد حل للسلاح المنتشر، لكنني لا أحبذ أن تختلط الأمور العسكرية بالسياسية». ويرى حمدان أن السياسة اللبنانية صعبة جداً لما فيها من تشعبات، مؤكداً أنه لن يدخل في زواريبها أبداً، ومشيراً الى أن من اعتقلوه أمنّوا له أفضل دعاية للأغنية والألبوم الجديد الذي يحمل عنوان «عاصفة»، كما أنهم روّجوا مجدداً لأغنية «جنرال سليمان» التي شاهدها الآلاف منذ توقيفه. وحول ما إذا كان سيُحوّل تجربة اعتقاله إلى عمل فني، يوضح: «ما حصل معي غريب جداً بالنسبة إلي، وجديد في الوقت ذاته، حتى الآن لم أفكر في الموضوع، أريد التركيز على عملي مجدداً، سأسافر الأحد المقبل الى الولاياتالمتحدة للمشاركة في ورشة عمل مع موسيقيين أميركيين». ويؤكد حمدان أن ما حصل معه لن يمنعه من التحضير مجدداً لأعمال مشابهة، وأن الترهيب الفكري الذي تعرّض اليه، لن يوقف مخيلته عن إنتاج أفكار لبلد أفضل ومجتمع أوعى. علماً أنه أكد أن تعامل رجال الأمن معه خلال فترة توقيفه «كان حضارياً». في المقابل، يرى نزار صاغية، محامي حمدان، أن ما حصل مع موكله يبرهن أن ثمة أزمة حكم في لبنان، ويسيء إلى الحرية الفنية وحرية الرأي والتعبير، ويكشف أيضاً مدى ازدراء السلطات العامة للحريات الشخصية، خصوصاً في وقت تشهد فيه دول عربية نزع الهالة عن هامة الزعيم وإعادة الكرامة إلى المواطن. ويشير صاغية الى أن السلطة توقف الفنانين، لتمارس عليهم إرهاباً فكرياً علّهم يتوقفون عن تقديم أعمال تنتقدها أو تشير إلى علاتها. ويرفض المحامي اللبناني فكرة توقيف المبدعين، داعياً إلى التصدي لهذه الممارسات، عبر تضامن الفنانين مع بعضهم البعض، ليكون لهم تحرك فعلي على الأرض في حال تعرّض أي منهم للتوقيف. وينتقد صاغية المسؤولين الفعليين عن هذه التوقيفات، طالباً منهم أن يكونوا أكثر انفتاحاً وتفهماً للعمل، والأهم أن يكونوا على اطلاع على ما يسمعونه أو يرونه. ويقول صاغية أن ما حدث مع زيد حمدان يجب أن يكون مناسبة للتفكير بجدية في الخطوات المقبلة في حال تعرض أي فنان لقمع حريته الفنية، وأن على الفنانين أن يتحركوا في وجه السلطة. ويوضح أن ملف القضية لم يقفل بعد، وان ثمة احتمالان لمساره: إما حفظ الملف، أو تحويله على النيابة العامة الاستئنافية في بيروت وهنا تبدأ المحاكمة الفعلية التي يعتبرها صاغية فرصة ذهبية للتحرك وبدء العمل على آلية تضمن حقوق الفنانين وتحمي حرياتهم. وأحالت النيابة العامة التمييزية حمدان الى الحاكم المنفرد الجزائي في بيروت القاضي غسان الخوري، بعد الادعاء عليه بجرم القدح والذم بحق رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من خلال «فيديو كليب»، كان قد وزعه وعرضه عندما كان سليمان قائداً للجيش. وأثار توقيف حمدان، حراكاً إلكترونياً على موقعي «فايسبوك» و «تويتر»، عبر مجموعات دعت إلى وقف السلطات ممارستها الإرهاب الفكري وقمع الحريات. وحمدان من الفنانين الشباب الذين برزوا بعد الحرب الأهلية اللبنانية بخطه الموسيقي المغاير للسائد وبطريقة تعاطيه مع مشاكل البلد وأزماته، وهي طريقة أخلاقية، وبعيدة من الشتائم والانتقاد المباشر، ودائماً عبر موسيقى جميلة وملتزمة. شكّل زيد حمدان ثنائياً رائعاً مع ياسمين حمدان، وقدّما العديد من الأغاني الناجحة. ثم انفصلا، ليبدأ كل منهما منفرداً مشروعه الموسيقي الخاص. قدّم حمدان أحدث أسطواناته «عاصفة» وهي أولى ثمرات تعاونه مع فرقةZeid And The Wings الأسبوع الماضي في حفلة بيروتية، وسبق له أن قدم أعمالاً عدّة في اسطوانات «باتر» (2001) و «شفتك» (2002) و «إنتَ فين» (2005).