الأحد 17/7/ 2011: سورية فوق الصفر لئلا يبدأ السوريون من الصفر وتضيع تجاربهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ اندحار الحكم العثماني، يبدو لزاماً التمسك بالوطنية السورية وتجاربها المحدودة في مطلع خمسينات القرن العشرين، بإخراجها الى الضوء وتداولها بعد إعادة تعريفها كهوية حياة وعقد اجتماعي لا يتعارضان مع هويات قومية (عربية وكردية وتركمانية وشركسية وألبانية) ودينية (مسلمون ومسيحيون ويهود وآيزيديون). استنهاض الوطنية السورية يعصم من حرب أهلية يتبادل أنصار النظام ومعارضوه الاتهام بالولوغ فيها، بعد أحداث حمص المؤسفة. الاستنهاض هذا جربه اللبنانيون واستطاعوا، على رغم الضغوط السلبية لأصدقاء وأعداء، تجاوز آلام حربهم الأهلية المديدة، بالاعتماد على وطنيتهم اللبنانية كنقطة لقاء المتمايزين، وطنية تظهر في تقارب العادات والتقاليد وتلاقي المصالح والمصائر، والخضوع لقانون واحد لشعب واحد. ما أكثر أصدقاءنا في سورية وما أقل رسائلنا المخلصة اليهم، فأكثر الرسائل يتوزع بين إدانة وتحريض. ومن الرسائل المخلصة ان نحذرهم من سموم الحرب الأهلية، حرب تبدأ بزرع بذور التعصب والتحامل، إعلاء الذات وخفض الآخر، البحث عن أعذار لنا وتهم لغيرنا. تبدأ الحرب من بذرة ملعونة بين أهل وأصدقاء، وكم يكثر المعجبون بخصبها السام. الإثنين 18/7/2011: اغضبوا حسناً فعل صالح الأشمر بنقل كتاب ستيفان هسل «اغضبوا» الى العربية (منشورات الجمل - بيروت، بغداد)، فالكتاب الفرنسي يقدم ما يشبه وصايا لأحد واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأممالمتحدة في 10/12/1948 في قصر شابو في باريس (نستطرد لنذكر من أعضاء لجنة إعداد الإعلان رئيستها إليانور روزفلت أرملة الرئيس الأميركي المتوفى عام 1945، واللبناني شارل مالك مقرر اللجنة الذي وُصف بأنه قوتها المحركة). ستيفان هسل المولود عام 1917 لا يزال حياً، وقد تلقى، على رغم معرفة الجميع بدوره البارز في المقاومة الفرنسية، ضربة من أنصار اسرائيل في فرنسا الذين عملوا على تعطيل حوار مفتوح كان سيجرى معه في دار المعلمين العليا في باريس، ومن بين موجهي الضربة برنار هنري ليفي، الذي نسي الفلسفة وتفرغ لرعاية صورة إسرائيل ومنع تشويهها، على رغم أن هذا التشويه يتم بيد الحكومة الإسرائيلية لا بأيدي آخرين. أحسّ ستيفان هسل حين زار وزوجته غزة، أنه يواصل نضاله ضد النازية التي تتخذ وجوهاً مختلفة في حياتنا المعاصرة، من بينها التعدي على الفلسطينيين وإرهابهم واستعمارهم. يواصل هسل نضاله مذكّراً بمآثر المجلس الوطني للمقاومة الفرنسية الذي أرسى نُظُم العدالة الاجتماعية بعد التحرير، وكذلك بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يُعتبر نتاجاً لآلام الحرب العالمية الثانية، ومنها آلام يهود ألمانيا وسائر أوروبا. هسل اليهودي الإنساني المناضل والمثقف، يشكل احراجاً لمناصري العدوانية الإسرائيلية، لذلك يطوّقونه في وطنه فرنسا كما في بلاد أخرى، ولعل كتابه النادر هذا هو صرخته من أجل استمرار الغضب ضد العدوانية أياً كانت، كتاب موجه الى شباب أوروبا والعالم (هل يتابع هسل حركات الشباب العربي وثوراته الواعدة؟). يكتب هسل: «إن الفكر الانتاجوي الذي يحمله الغرب، قد أدخل العالم في أزمة يستلزم الخروج منها إحداث قطيعة جذرية مع الهرب الى الأمام المتمثل ب «الأكثر دائماً» في المجال المالي كما في مجال العلوم والتقنيات. لقد آن الأوان لكي تصبح كفّة الهم الأخلاقي والعدالة والتوازن المستدام هي الراجحة. لأن المخاطر الجسيمة تتهددنا، ويمكنها أن تضع حداً للمغامرة الإنسانية على كوكب بإمكانها أن تجعله غير صالح لسكنى البشر». ويختم دعوته الى الغضب، «مستعيداً ما قلناه، نحن قُدامى حركات المقاومة والقوات المحاربة لفرنسا الحرّة (1940-1945)، في الثامن من آذار (مارس) 2004، في مناسبة الذكرى الستين لبرنامج المجلس الوطني للمقاومة، من ان النازية قد هُزِمت، بفضل تضحية إخوتنا وأخواتنا في المقاومة وفي الأممالمتحدة ضد الهمجية الفاشية. غير أن هذا التهديد لم يختفِ كلياً، وإن غضبنا ضد الظلم ما زال مُتقداً لم يَفْتُر. لا، هذا التهديد لم يختف كلياً، لذلك ما زلنا ندعو الى عصيان سلمي حقيقي ضد وسائل الاتصال الجماهيرية التي لا تقترح لشبيبتنا من أُفق سوى الاستهلاك الجمعي، واحتقار مَن هم أضعف، وازدراء الثقافة، وفقدان الذاكرة المعمَّم، والمنافسة القاسية يخوضها الجميع ضد الجميع. فإلى الذين واللواتي سوف يصنعون القرن الواحد والعشرين، نقول مع محبتنا: الخَلْقُ، هو المقاومة. المقاومة، هي الخلق». الثلثاء 19/7/2011: كمثل ما حدث كمثل ما حدث حين تركت أصدقائي، لم أقابلهم قصداً، كمن ينتحر مداورة، مع وعي بعزلة من دون شكوى، كمن يشتهي الوقوف وحيداً في عراء العالم. وأخطر من ذلك الامتناع عن زيارة الأم، دخولاً واعياً الى الإثم وابتعاداً عن إخلاص البنوة، كمن يدخل تجربة العقوق المكروهة، تاركاً احترام الذات الى سفه أو دنس. وأخطر منه تصور الانتحار رسالة احتجاج، ضد جدول العيش الصارم، سرعة الوقت، بطء الرؤية، وضعف مشهود لأنه نتاج حفر في تربة اليأس وجذورها السوداء. كمثل ما حدث حين انتحرت ولم أمت. الأربعاء 20/7/2011: الأخبار نهرب الى الأخبار، الى نشرة الأخبار، نهرب من الجسد، من منابع الكلمة، لاستقبال المآسي، صورها على الشاشة وتوقعاتها وراء بابنا المغلق. نلجأ الى الأخبار، نتدرب على الحرب، على خوفنا قبل وقوعها. نخاف العيش اليومي الموجود، نخافه قبل أن يرحل، أو نرحل ثم نطلبه فلا نجده، نصير الى لاوجود. الخميس 21/7/2011: العدالة دفع الأميركي مارك سترومان (41 عاماً) حياته من أجل العدالة في المجتمع الأميركي، عدالة يصورونها حسناء تحمل ميزاناً وقد عصبت عيناها لئلا ترى المتقاضين فتميل أو تُعْرِض، فيختل الميزان ويصدر الحكم بعيداً من العدل. وحين نفذ الإعدام في ولاية تكساس بحق مارك سترومان تراءى الى القاضي والسلطات التنفيذية ماضي هذه الولاية الجنوبية الأميركية الحافل بالتمييز العنصري وبالمظالم بحق المواطنين السود. كان لا بد من موت سترومان لينطوي الى الأبد ماضي التمييز وقتل الأبرياء بأيدي عنصريين معلومين ومجهولين. جريمة سترومان أنه غضب كثيراً عقب أحداث 11 سبتمبر، وأناط بنفسه الانتقام من الإرهابيين الذين تسببوا بمقتل أكثر من ثلاثة آلاف بريء في نيويورك وتهديم برجي مركز التجارة العالمي، فبحث عن أشخاص ذوي ملامح شرق أوسطية ونفذ القتل بباكستاني مسلم وهندي هندوسي وتسبب بعاهة دائمة لمسلم من بنغلادش اسمه ريس بويان. لم تنفع حملة بويان في منع تنفيذ الإعدام في سترومان وخفض الحكم الى السجن المؤبد. حاول الضحية جاهداً إنقاذ من حاول قتله لكنه فشل، وصرح للصحافة: والداي علماني أن أضع نفسي في مكان الآخرين، إذا جرحك أحدهم لا تنتقم بل سامحْ. عش حياتك، فذلك يعود عليك وعلى الآخرين بالنفع. وأطلق نداء أخيراً: أرجوكم أنقذوا مارك سترومان. كان يمكن القضاء في تكساس إيجاد أسباب تخفيفية للقاتل، فهو كان تحت تأثير كارثة 11 سبتمبر، وليس الوحيد في ذلك بل ربما الأكثر تطرفاً، وصولاً الى الانتقام بقتل بريئين وجرح ثالث. لكن القضاء في تكساس نظر الى أبعد من واقعة الجريمة، الى حفظ القانون والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. كان الإعدام لتفادي سقوط ضحايا آخرين، خصوصاً أن القاتل جاهر بانتمائه الى جمعية «أريان براذرهود» التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض. ومن نافل القول، الذي نكرره منذ عصر النهضة العربية، أن أمثال مارك سترومان كثر في بلادنا، وتراهم أحراراً في القتل المادي كما في القتل المعنوي... مع ذلك نتفاخر بحضارتنا ونرذل حضارة الأميركيين.