يفترشون أرصفة الطرقات ويلتحفون السماء ويظن أناس أنهم لا يبالون بنظرات هذا أو ذاك، ملامح البؤس تتجلى على تقاسيم وجوههم يرمقهم الآخرون ب«دونية» أو أنهم ظاهرة غير حضارية من دون معرفة الأسباب التي دفعتهم إلى النوم على قارعة الطريق. وما إن يحكم الليل إسدال ستاره حتى تتحول جنبات طرقات جدة إلى أسرّة أسمنتية للنوم يتوسدها أولئك، حتى الساعات الأولى من انبلاج فجر كل يوم جديد يجدون أنه لا يحمل كما يقولون أي أمل جديد لهم. التقت «الحياة» عدداً من النائمين على قارعة الطرقات لمعرفة الأسباب التي دفعتهم إلى النوم بهذه الطريقة، يقول عبدالله أحمد (يمني) «إنني مخالف لأنظمة الإقامة والعمل، اتخذت جوار أحد البقالات في شرق جدة سكناً ومستقراً، فالشيخوخة دهمتني قبل أن أظفر من الدنيا بما يكفيني للسكن ولو في غرفة»، ويتابع: «حاولت من خلال الجمعيات الخيرية أن توفر لي سكناً يقيني حر النهار وبرد الليل ونظرات الازدراء من الناس، غير أنني لم أنل غير الوعود»، مشيراً إلى أنه يكسب قوت يومه مما يجود به أهالي الحي. وطالب أحد المواطنين رائد الحميد بأن تقوم الجهات المعنية بنقل مفترش الطريق إلى أحد مستشفيات الصحة النفسية من أجل رعايته، منوهاً بأن النائمين على الطرقات إما إنهم مرضى نفسيون أو معانون من عوز وفقر، وهو ما يستبعده، نظراً إلى حجم معدلات الفقر المخفضة في السعودية على حد قوله. وفي مكان آخر، لم تشفع رفاهية شارع الأمير سلطان في جدة حياً وشارعاً تجارياً، من أن يفترشه المتشردون، إسلام الدين رحمان (باكستاني الجنسية) لم تنل منه الشيخوخة بعد، إلا أنه يفترش في كل مساء جانباً من الطريق ليأوي إلى النوم. يقول رحمان «إن راتبي 500 ريال شهرياً لا يجعل لي فرصة في التفكير في السكن»، واصفاً أسعار إيجار الوحدات السكنية ب«الكبير» الذي لا تحتمله طاقته ما ألزمه بافتراش الرصيف، مضيفاً: «إن أهلي في باكستان ينتظرون كل شهر مبلغاً أرسله إليهم حتى يتمكنوا من العيش في الحد الأدنى من متطلبات الحياة هناك»، مردفاً أنه بإمكانه أن يذهب للسكن مع مجموعة من الأجانب، إلا أن ذلك سيقلل من المبلغ الذي سيرسله إلى أهله، مؤكداً إن إدارة عمله لم توفر له السكن ولو بسعر مخفض حتى يتمكن من النوم فيه، إذ إنه بعد الشهر الأول من قدومه لم يكن يتوسد الطرق إلا أنه لم يتمكن من إرسال المبلغ الذي كان ينتظره منه أهله. وقال: «يعتقد الكثير أنني سعيد بافتراشي الطريق، لكنهم لا يعلمون مرارة الظروف التي يعيشها أهلي في باكستان، إضافةً إلى تدني أجري الشهري»، مؤكداً أن هذا الاعتقاد دفع البعض إلى مضايقته عند نومه بأصوات منبهات السيارات أو إزعاجه بالصراخ، إلا إنه اعتاد على ذلك على رغم ما تتسبب به هذه التصرفات من ألم. ويرى المراقبون، إن النائمين على الطرق منظر غير حضاري ولا يليق بسمعة بلادنا، مشيرةً إلى إنها باتت ظاهرةً تتسع يوماً بعد آخر، معولةً على ضرورة التعاطي الجدي من جانب الجهات المختصة مع هذه المشكلة، مطالبة الشؤون الاجتماعية والجهات الخيرية في السعودية التحرك بشكلٍ عاجل لدرس قضية النوم على الطرقات وإيجاد الحلول الكفيلة بالقضاء عليها، مقترحة أن يتم إنشاء ملجأ لإيواء مثل هذه الحالات التي يثبت عدم مقدرتها على استئجار أي مسكن، بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية.