على رغم تدشينها منذ أسابيع قليلة، إلا أن إذاعة «نوبة إف إم» استطاعت جذب انتباه جمهور لا يستهان بحجمه ومن مختلف الفئات العمرية، ونجحت في تحقيق نسبة استماع غير متوقعة، إذ تجاوز عدد المستمعين والمتصلين والداخلين وزوار موقعها على الإنترنت تسعة آلاف ومئتي شخص من أنحاء العالم. و«نوبة إف إم» إذاعة ثقافية مستقلة، تخاطب التيارات والتكتلات النوبية في مشارق الأرض ومغاربها، في إطار يجمع بين جرأة الطرح وثراء وتنوع المادة الإعلامية وبمستوى احترافي ومهني. تتبني الإذاعة خطاً أساسياً يهدف إلى نشر الثقافة النوبية وهويتها المتمايزة، والحفاظ عليها، لتشكل جسر تواصل بين مئات الآلاف من النوبيين في أرجاء المعمورة، كون الثقافة النوبية عابرة للحدود، ممتدة من شمال مصر وحتى أعمق جذور إفريقيا. وتهتم الإذاعة بمخاطبة الشباب العربي تحديداً، وإبراز طاقاته وإبداعاته وأطروحاته، بالإضافة إلى تناول أبرز مشاكله الاجتماعية. بدأت الإذاعة بالبث التجريبي، الذي انحصر في تقديم الأغاني النوبية إضافة إلى بعض اللقاءات البسيطة، من موقع النادي النوبي بشارع النبي دانيال في الإسكندرية، إلى أن دُشّنت رسمياً في 7 تموز (يوليو) الجاري خلال الاحتفال بيوم النوبة العالمي، والذي بثّت فعالياته عبر الإذاعة أيضاً وتابعها آلاف النوبيين في العالم العربي والغربي عبر الإنترنت. ويعمل في الإذاعة حالياً تسع من شبان وشابات النوبة، وهم الذين أسسوا مجموعة على الإنترنت باسم «منتدى النزلة النوبية». ويقدم الشباب برامجهم عبر بث مباشر، ولا يعتمدون على التسجيل، إذ يعتبرون هذه الطريقة أصدق وأكثر قدرة على ضمان تفاعل المستمعين. كما تبث في شكل حي مختلف المناسبات الخاصة بالمجتمع النوبي من حفلات وندوات وأمسيات ثقافية وفنية وعروض مسرحية وغيرها. ومن البرامج التي تجتذب الكثير من المستمعين، برنامج «ماسكا فيونا» (صباح الخير)، وهو برنامج صباحي منوع. وهناك أيضاً «ديونار»(المطبخ) وينقل طريقة صنع الأطباق النوبية التقليدية، إضافة إلى «منتدى النزلة» وهو برنامج شبابي يعرض مشاكل الشباب، و«قعدة نوبي» وهو برنامج تراثي يعرض تاريخ النوبة، وغيرها الكثير من البرامج التي ترتبط بالهوية النوبية في مختلف مظاهرها. وعلى رغم الإيقاع السريع والشبابي للبرامج، إضافة إلى جرأتها اللافتة في طرح المواضيع لا سيما ما يتعلق بمشاكل الشباب وتحديات العصر، إلا أنها لا تخلو من الدفء الإنساني والحنين إلى التراث والحس المنفتح على جميع التيارات والأفكار، في إطار عقلاني، يتسم بالاتزان والدقة في تحري المعلومة، وبشكل بسيط ولغة عربية سليمة وسهلة، في حين أن بعض البرامج يُبث باللغة النوبية. يقول رئيس النادي النوبي في الإسكندرية، عبدالله عثمان الشيخ، ل «الحياة» أن «عصر ثقافة الصورة الذي نعيشه، وتكريس التلفزيون والقنوات الفضائية، لم يمنع من استعادة تقليد الاستماع إلى الإذاعات والإقبال عليها، وقد ساعد توافر نظام ADSL على انتشار المحطات الإذاعية في منطقتنا العربية». ويضيف إن «الغرض الرئيس من إنشاء إذاعة نوبة إف إم هو الاهتمام الحقيقي والواقعي بمجريات المجتمع النوبي، ونشر الثقافة النوبية والحفاظ عليها من مخاطر تذويب الهويات وطمس معالمها وتهجينها بالثقافات الأخرى، إضافة إلى نشر دعاية حميدة للمجتمع النوبي في العالم». ويقول محمد - أحد العاملين في الإذاعة: «نتلقى أكثر من 200 رسالة يومياً من المستمعين، ومعظمها من الجاليات العربية والنوبيين في الخارج، لذلك أصبح معظم مجهودنا منصباً على تغطية أكبر كمٍّ من أخبار المجتمع النوبي التي تهم الجاليات العربية في الخارج. كما نحاول أن نرضي الأذواق كافة، بإنتاج برامج مناسبة لكل الفئات». ويلفت محمد أنه، للاستماع إلى «نوبة إف إم» يجب على الكمبيوتر أن يحتوي على «مودم» (أو خادم) بسرعة نقل لا تقل عن 28,8 كيلوبايت، بالإضافة إلى اتصال بالإنترنت طبعاً، وبطاقة صوت وسماعتين مناسبتين، وبرنامج لتشغيل الصوت ويفضل أن يكون ريل بلاير». يذكر أن أول إذاعة عبر شبكة الإنترنت أطلقها، في العام 1993، الأميركي كارل مالاماد، وكان يقدم برنامجاً أسبوعياً يبثه عبر الشبكة الدولية. وتتميز إذاعات الإنترنت بانخفاض تكاليف الإدارة والتشغيل، إذ لا تحتاج إلى استئجار معدات إلكترونية وأسلاك توصيل وخلافه، كما أنها تمتلك حرية لا نهائية، ولا تعاني من المنافسة على نطاقات التردد، بخلاف المحطات الإذاعية التقليدية التي تعيبها أحياناً محدودية ترددات البث، ما يؤدي إلى تداخل القنوات أو ضعف بعضها أو تشوّش بعضها الآخر.