في التلفزيون مشاهد مارتن لوثر كنغ لا تزال حية وكأنها – لولا الأبيض والأسود- وقعت قبل أيام وليس في ستينات القرن العشرين. مشاهد تجمع النقيضين الخالدين الموت والحياة في تناقضهما الحاد وتوحدها الأكثر حدة. مارتن لوثر كنغ يعيدنا زمنياً الى حقبة كان هو أحد أبرز عناوينها وهي مرحلة تستحضر محمد علي كلاي وموقفه من التجنيد في أميركا زمن حرب فيتنام، وتستحضر اعتقال نيلسون مانديلا في دولة التفرقة العنصرية. هذه الأيام، ولمناسبة ذكرى رحيل مارتن لوثر كينغ في مثل هذا الشهر، تستعيد الفضائيات مشاهد له، فتدفعنا للبحث عن مزيد منها، ما يضعنا في قلب المقارنة بين الأمس واليوم: لم تتوقف مواقف الظلم وشرور التفرقة العنصرية من العالم الذي جعلته وسائل الاتصال الحديثة «قرية واحدة» مع أن المشاهدة أصبحت أسهل ومتوفرة دائماً، وهي لا تزال تمطرنا كل ساعة بمواقف سياسية دولية تنحاز لمن يمارسون الجرائم في حق الشعب الفلسطيني وينكرون عليه حقوقه الطبيعية التي تتمتع بها كل شعوب الأرض وأولها وأهمها حقه في العيش في وطنه حراً مستقلاً. هي مفارقة استحضار الصور القديمة بما فيها من سواد لم تستطع الألوان أن تمحوه من ذاكرتنا ووعينا كمشاهدين عشنا تلك الأيام وتدفعنا كل مرة لعقد مقارنة تلقائية بين ذاكرتنا وبين مشاهداتنا الراهنة المفتوحة على تصريحات تدين القتيل وتمجد القاتل حيث يتوجب على الفلسطينيين الابتعاد من مرمى قناصات الجنود الاسرائيليين لا أن تبتعد تلك القناصات من «مرمى» أولئك الفلسطينيين الذين لا يروقون للإدارة الأميركية، خصوصاً بإلحاحهم على حقهم في الحياة. ولعلها ترى في صورهم على شاشات الفضائيات صوراً مكررة لملامح الخالد مارتن لوثر الذي أزاحته رصاصات من مشهد الشوارع الغاضبة لرجال ونساء كانوا هم أيضاً يتظاهرون من أجل المساواة والتخلص من التفرقة العنصرية. إنه التلفزيون بما هو قوة استحضار الصورة واستحضار الصوت ذاته الذي صدح به لوثر كنغ في الشوارع بكلام بسيط، واضح وبالغ الصدق، استقطب تفاعل مئات الملايين من البشر في العالم كله وهم اليوم يستعيدونه وكأنهم وهم يتابعون المشاهد أمام التلفزيون يقولون ما أشبه الليلة بالبارحة.