بدأ تدفق العائلات الجزائرية المقيمة في الخارج على المطارات والموانئ الجزائرية مع بداية الصيف، وساهم اقتران العطلة بشهر رمضان في ازدياد عددهم، إلاّ أن أقلّهم حظاً اصطدموا الأسبوع الماضي بإضراب مضيفي شركة الخطوط الجوية الجزائرية، فاحتُجزوا في مطارات فرنساوالجزائر أربعة أيام سود بانتظار العودة إلى الديار، وأدى تفاقم الأزمة إلى تدخل وزير النقل الفرنسي والوزير الأول في الجزائر من أجل حلّ المعضلة. أمضت نسيمة، المرأة الخمسينية، ليلة «بيضاء» جالسة على كرسي في مطار أورلي في باريس، لعلّ شركة الخطوط الجوية الجزائرية توفّر طائرة للعودة إلى الجزائر. وتوعكت في صباح اليوم التالي، واضطرت للعودة إلى منزلها وتأجيل سفرها أياماً أخرى، قبل الحجز على متن شركة طيران أخرى. أما غيرها من المغتربين المصرين على الذهاب إلى الجزائر فافترشوا الأرض وتكدسوا بانتظار «الفرج»، وتسبب غياب التكفل بالمسافرين وشحّ المعلومات وعدم تدخل أي مسؤول للحديث معهم، في زيادة قلقهم واحتقانهم. يقول علي: «إنها المرة الأولى التي أسافر فيها برفقة عائلتي المؤلفة من خمسة أفراد إلى الجزائر، والسبب يعود إلى الشهر الفضيل الذي أريد أن يعيش أبنائي طقوسه في بلدهم الأصلي، لكني ندمت لأن أول شيء رأوه عن الجزائر هو هذه المظاهر المؤسفة الناجمة عن الإضراب». ويرتفع صوت سيدة تحلف بأنها أبداً لن تسافر على متن هذه الشركة مجدداً «يا لوكان باطل» (ولو مجاناً). وكان عدد المسافرين إلى الجزائر، الذين رفضوا مغادرة مطار أورلي وشارل ديغول طمعاً في رحلة، وصل إلى 1500 مسافر وزاد تزامن يوم الإضراب مع عيد استقلال فرنسا في 14 تموز (يوليو) الأمر تعقيداً، إذ لا تذاكر حافلات أو قطارات متوافرة، وأدى توتر الأعصاب إلى وقوع احتكاك بين عدد من المسافرين وعناصر من الشرطة الفرنسية في المطار. ويقول فريد: «أنا مغربي وزوجتي جزائرية، وقد وجدنا أنفسنا محتجزين بالمطار يومين، من دون أمل بالسفر. وقررنا تحويل وجهتنا إلى المغرب لأننا لن نسافر على الباخرة إذ سمعنا أنهم ينوون نقلنا إلى الجزائر بحراً». ولم تكن الحال أحسن منها في الجزائر إذ شُلّت جميع المطارات بعد إلغاء الرحلات الداخلية والدولية، وبقي المسافرون نحو فرنسا وتركيا ومصر وكندا وبلجيكا وغيرها من الدول معلّقين علماً بأن هذه الشركة تسيّر حوالى 13 رحلة دولية يومياً. وفي مطار هواري بومدين جلست العائلات على الحقائب وافترشت الأرض، وكانت الشكوى خصوصاً مما يعانيه الأطفال. «معي رضيع يحتاج إلى حليب وتغيير ومحيط هادئ وملائم للنوم، لكنه عانى الأمرّين. ولم يتوقف أخوه عن البكاء بسبب هذه الظروف الكارثية، أنا لا أستطيع الانتظار أكثر، خصوصاً أن أحداً لا يُعلمك بشيء هنا أو يعطيك شربة ماء، لقد قررت وزوجي أن ندفع ثمن تذاكر جديدة على متن شركة أخرى، لكننا سنطالب هذه الشركة بالتعويض»، تقول وردة باستياء عارم. أمّا المرافق لوفد سياحي إلى تركيا، سعيد، فيقول: «الأمور تعقدت لأن صاحب الشركة لم يفلح حتى الآن بالعثور على غرف للوفد السياحي، بعد تأخره عن موعد وصوله لتركيا، خصوصاً أن الموسم موسم الذروة السياحية في هذا البلد، وهو أيضاً موسم الذروة بالنسبة لنشاط هذه الشركة الجزائرية مع المغتربين الجزائريين». وتتأفف نجية قائلة: «أمضيت عطلة جميلة في الجزائر، ولكن هذه المشكلة مع شركة الطيران أفسدت الأمر، فكم تمنيت أن أعود إلى بروكسيل وكل شيء مثالي في ذهني». أمّا الفرج فقد أتى الجمعة الماضي، بعد تدخل الوزير الأول للتفاوض مباشرة مع نقابة المضيفين بعيداً عن الإدارة. وبالفعل بدأت أولى الرحلات بالتحرك من وإلى مطارات فرنسا، بعد أن دفعت حال المسافرين فيها إلى تدخل وزير النقل الفرنسي تيري مارياني، الذي أكد ضرورة «التزام الشركة تجاه عملائها وتحديث المعلومات الخاصة بمسافريها لتجنب تقطع السبل بهم في المطارات». وتأتي غالبية المغتربين الجزائريين من فرنسا، التي يقيم فيها أكثر من مليوني جزائري، ويتوافدون من إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وإنكلترا ودول أوروبية أخرى إضافة إلى كندا بعد أن فتحت الشركة خطاً مباشراً مع مونتريال. وتحتكر شركة الخطوط الجوية الجزائرية، النقل الجوي في الجزائر، بعد تصفية شركة الخليفة إثر سقوط «إمبراطورية» الخليفة، وقد توقع مسؤولو الجوية الجزائرية نقل ما لا يقل عن مليونين ونصف مليون مسافر هذا الصيف غالبيتهم من العائلات الجزائرية المقيمة في المهجر، والتي تتنقل كل سنة وغالبية أفرادها من المسنين والأطفال. وقدرت شركة النقل البحري عدد المسافرين على متن بواخرها من فرنساوإسبانيا، خلال الفترة ذاتها بنحو نصف مليون مسافر.