لم أكن أرغب في الكتابة مرّة أخرى عن الأوضاع الظالمة للمرأة، إذ باتت مثل حكاية إبريق الزيت، في وقت يغلي العالم العربي تحت وابل من قذائف أهل البيت الواحد ونيرانهم، وتزدحم الشاشات اللبنانية الصغيرة بتهديد الآذاريين ووعيدهم، مستبسلين في الدفاع عن مواقفهم المتباينة تصاعدياً حتى إبعاد أول وفد سياحي بعيداً بعيداً، وهجرة آخر مواطن صامد في أرض الوطن. الكتابة عندنا في أوضاع المرأة كالكلام في طواحين الهواء، لكن قصّة هويدا لا تنتظر، فزوجها لم ينتظر جلسة ثقة لحكومة لم تضمّ امرأة واحدة، ولا تعيينات إدارية أغفلت النساء – كالعادة – وتجاهلت مؤهلاتهنّ وإنجازاتهنّ العلمية والمهنية... وهو خصوصاً لم ينتظر استمزاج رأي جمعية «كفى عنفاً واستغلالاً»، ولا جمعيات أخرى نسائية، وحتى قبل أن يعرف بعجز هذه وتلك عن الضغط لتعديل جملتين في القانون لحماية المرأة المعنَّفة، لم يتردّد لحظة واحدة حين انهال على زوجته هويدا ضرباً وركلاً وتعنيفاً، وجريمتها انها أوفدت أولادها للمشاركة في جنازة زوجة عمّهم، رغم الخصومة التي تفرّق بين الأخوين. ولم يتوقف زوج هويدا عن ضربها إلا بعدما غادرت وأولادها الثمانية منزلها على عجل الى منزل عائلة أخيها. ليست هذه المرّة الأولى التي تتعرض فيها هويدا للعنف الأسري، ولن تكون الأخيرة، لأن أخاها سيعيدها - وكما في كلّ مرة - الى بيت الطاعة، تجنّباً للفضيحة داخل العائلة الواحدة، خصوصاً ان زوجها هو ابن عمّها، وزواجهما كان بتوافق عائلي بحت... لم يكن لها رأي فيه أصلاً! وقد تكون هويدا راضيةً بنصيبها، فهي وإن تذمّرت وأسرّت لي، لم تطلب يوماً الانفصال عن زوجها، ولم تشتكِ لدى السلطات ظلمه وعنفه، ولم تطالب بقانون يحميها، مع جهلها بالقانون وأهله، كما بالقراءة والكتابة. لكن أكثر ما تخشاه، أن يكون لابنتها البكر، ذات السبعة عشر ربيعاً، مصيرُها ذاته، فتقع على زوج عنيف يضربها بجنون مثلما يضربها والدها. تقول هويدا: «خوفي نابع من أننا كنساء يعشن في ظلّ العائلة-القبيلة في جرود عكار (منطقة نائية في شمال لبنان)، لا رأي لنا في اختيار أزواجنا ولا أزواج بناتنا، فلكبار رجال العائلة الكلمة الأولى والأخيرة، يقرّرون باسمنا ما يشاؤون، وما على كل منا إلا أن ترضى بنصيبها». على غرار هويدا، تسلِّم نساء عربيات كثيرات مصيرهنّ الى المجهول. لا يُلَمن لجهلهنّ، ولا لقهرهنّ في ظلّ تقاليد اجتماعية وعائلية ضاغطة، قَتلت فيهن كلَّ رغبة فردية بالتغيير، وفي ظلّ تلكؤ الحكومات، كلّ الحكومات من دون استثناء، وانشغالها بالسياسة وزواريبها عن الأمور الاجتماعية الرئيسة، وتأخرها عن فرض قوانين هي حقوق بديهية، مثل إلزامية التعليم وضرورته، وسنّ قوانين تحمي النساء من العنف وتحفظ حقوقهنّ الإنسانية الأبسط: الحقّ في القراءة والكتابة والعيش بكرامة، بعيداً من وطأة العنف، أيّاً يكن أسلوبه وصفة المعنِّف العائلية وموقعه في حياة المرأة. ولا بُدّ من أن نسأل: أين هنّ اللبنانيات النواب، على ندرتهنّ، من تعديل قانون حماية المرأة من العنف؟ ولماذا لم تعلُ أصواتهنّ؟ لماذا لم يكتبن المقالات ويدلين بالتصريحات، حتى رفع الظلم؟ لماذا لم يستغثن بالقانونيين، مستنهضات زملاءهنّ من أجل القضية المحقّة؟ لماذا لم يوحِّدن جهودهنّ ويَصْبُبْنَها في دعوة موحّدة الى جلسة نيابية طارئة لمناقشة القانون وتعديله؟ لماذا لم ينزلن الى الشارع لجمع التواقيع لحملة شعبية مطالبة بحماية النساء؟ لماذا لم نرَ إحداهن من أعضاء البرلمان في تظاهرة لدعم القضية، أو حتى لكفكفة دموع امرأة معنّفة؟ لا تعرف هويدا شيئاً عن المحكمة الدولية، ولا عن محور الممانعة ولا عن القرار 1701، ولا حتى القرار 1559، ولا أعتقد بأنها وابنتها مهتمّتان بأناقة اللبنانيات الأعضاء في البرلمان، ولا بمجوهراتهنّ الفاخرة، ولا بتسريحاتهنّ، ولا بالطريقة الهوليوودية التي يستخدمنها لإلقاء التحية على الجماهير وتوزيع الابتسامات، ولا بمقدار التزامهنّ العقائدي ومزايداتهنّ هنا وهناك... لكنهما مهتمّتان جداً بقدرة هؤلاء على حمايتهما من غضب الزوج و «فتك» الأب وجنون الأخ، عندما تهبّ العاصفة! * نائب رئيس تحرير الشقيقة مجلة «لها»