من المتعارف عليه والبديهي أن ترتفع الأصوات المناهضة للعنف ضد المرأة والداعية الى منع ضرب الأزواج لزوجاتهم، وكثيراً ما عملت المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على وضع أحكام لردع تسلّط الزوج على «الضحية» المرأة. لكن الحقيقة الغريبة التي جاءت بها دراسة قطرية أخيراً جعلت الكثيرين يندهشون لما يمكن أن تقوم به المرأة ضد بنات جنسها... اذ أكدت نتائج المسح العام، أنّ ربع النساء القطريات يؤيدن ضرب الأزواج لزوجاتهن ويبرّرن لهم ذلك. تأتي هذه الحقيقة من قطر، البلد الذي تتوالد فيه المراكز العائلية الاستشارية والمؤسسات التوعوية والتأهيلية ومكاتب الإرشاد والدورات التثقيفية المجانية للمواطنين المقبلين على الزواج، كذلك المحاكم الخاصة بالأسرة ونيابة الأسرة وغيرها من الآليات القانونية والمؤسساتية التي تصون حقّ المرأة بعيداً من ممارسات الزوج «العنيفة»، وحيث الكل يشيد بالجهود والأفكار التي تطرحها الشيخة موزة بنت ناصر في مجال رعاية المرأة والطفل والأسرة في شكل عام. وعليه فقد أصدر قانون الأسرة رقم 22 لعام 2006 بغية تنظيم حياة الأسرة وتبيان الحقوق والواجبات الملقاة على عاتق كل فرد. المفارقة في القضية كلها، تكمن في انتشار معلومة تفيد بأن نسبة الطلاق في قطر تعود، أساساً، إلى الضرر المتمثل في ضرب الأزواج لزوجاتهم، إذ كشف قبل فترة المحامي راشد المري أنّ 80 في المئة من قضايا الطلاق والخلع في قطر تعود إلى عنف الأزواج بصوره المختلفة، وهو ما يتم إثباته في مراكز الشرطة، مشيراً إلى أن الكثيرات من موكلاته، اللاتي تعرضن للضرب يتنازلن عن دعواهن على أمل تحسن حال الزوج. ويؤكّد رئيس قسم شرطة السدّ، الرائد غانم سعد الخيارين، أنّ حالات الخلافات الزوجية التي يستقبلها القسم غالبيتها تتعلق بضرب الأزواج لزوجاتهم، وغالباً ما تأتي النسوة في حالة يرثى لها. ويتساءل: «إذا كان العنف هو القطرة التي تفيض كأس صبر المرأة، ويجعلها تطلب الخلع، فكيف يمكن نساء أخريات أن يبررن هذا العنف ويقبلنه ويستغربن، بل ويستهجنّ، غضب الأخريات في حال تعرضهن للضرب من أزواجهن؟». عادة ما يردد القطريون بفخر أن «دستور الدولة يكفل حماية الحقوق لجميع من يعيش على هذه الأرض»، ولكن هناك فئة في المجتمع تكون أكثر حاجة للحماية، الأطفال والنساء، ولذا تدخل المشرِّع بقوانين ومؤسسات تقوم برعاية هذه الفئة وحمايتها، ولكن يبدو أن هناك من يقف حجر عثرة أمام إكمال الجهود «التنويرية» لحماية المرأة وهي المرأة نفسها. موضوع «عنف الأزواج» كان مادة دسمة في المنتديات والحلقات النقاشية العامة، وكثيراً ما كانت الإجابات مباشرة وحازمة ورافضة للضرب والعنف بأشكاله كافة. ولكن الدراسة الشاملة التي أجراها معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية في قطر لعام 2010 وشملت أكثر من 2000 مقابلة شخصية، كشفت غير ذلك. وأعلنت أن ربع النساء اللاتي أجريت المقابلات معهن و32.8 في المئة من الرجال يبررون ضرب الزوجة بسبب الخروج إلى السوق أو لزيارة صديقتها أو أقاربها من دون إبلاغ الزوج، أو إهمالها لأولادها أو إساءة الحديث مع زوجها، أو مع أهل الزوج. فهي أسباب «منطقية» تستدعي العقاب والتقويم. ويقول المحامي راشد المري أن المبررات المتعارف عليها، والتي يسوغها الأزواج لسياسة العنف هي رغبتهم في تأديب زوجاتهم، وهو ما يؤدي «إلى تكرار حالات العنف، وتفاقم المشاكلات وسوء نمط الحياة بين الطرفين، وحينها تتذكر الزوجة أنّ لها الحق في طلب التفريق للضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة». كانت تفاصيل هذه الدراسة أكثر النتائج مفاجأة من بين نتائج علمية لمجموعة من الدراسات أجراها معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية تحت عنوان «الحياة العامة في قطر»، لكي تكون في المحصلة قاعدة بيانات مخصصة لفائدة صناع القرار ولتوجيه صوغ السياسات والتخطيط محلياً. فهل تخلق نتائج الدراسات المتبقية مفاجآت أخرى للموسم الجديد؟