هجمات إلكترونية، واختراق شبكات، وعيوب برمجية وتقنية، واستغلال الثغرات الأمنية الإلكترونية، أبرز ما تواجه السعودية من تحديات في طريقها نحو التحول الرقمي، إلا أنها على رغم ذلك قطعت شوطاً كبيراً في مجال تقنية المعلومات والتحول الذكي، وأيضاً حققت نجاحات عالمية في «الأمن السيبراني» الذي يشكل «هاجساً دولياً» على المستوى العالمي حالياً. هذا ما أكده خبير تقنية المعلومات الباحث والمستشار في الأمن السيبراني الدكتور إياد يوسف الدعيجي، والذي أشار إلى «النجاحات الكبيرة» التي حققتها المملكة في مجال تقنية المعلومات، والذي أصبح أحد عناصر قوة الدول وأهمها والذي يسهم بشكل فاعل في الأمن الوطني للدولة. الدعيجي حاصل على جائزة «أفضل رئيس تنفيذي لتقنية المعلومات CIO»، على مستوى القطاعات الحكومية في المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي للعام 2018، أشار إلى نجاحات القطاعات الحكومية والخاصة والمؤسسات السعودي في مجال تقنية المعلومات بحرفية الشباب السعودي. وأوضح الدعيجي الذي تدرج مهنياً من موظف، إلى مدير، فقائد، وباحث ثم مستشار، فمدرب، إلى خبير، أن الشباب السعودي يعي أهمية اتقان التخصص، وأن اكتساب المعرفة يزيد في الجودة، والإبداع والابتكار، وأيضاً يعي أن إتقان التخصص سيسهم في تحقيق التنمية المستدامة للوطن في مجالاتها كافة. + بداية؛ ماذا يشكل تخصص تقنية المعلومات من أهمية عالمياً في الوقت الحالي؟ - أهميتها تكمن في أنّها جعلت العالم قرية صغيرة، فلم تعد هناك منطقة بعيدة اليوم في ظل هذا التقارب التقني الهائل، وفي ظل انخفاض أسعار التقنيات الحديثة. إذ أصبحت التقنية، في عصرنا هذا عنصراً أساسياً في الأنشطة كافة، وفي جميع القطاعات بلا استثناء. وأضحت – كما يقول خبراء الإدارة، العنصر الخامس من عناصر الإنتاج بل أهمُها، فهي المصدر الرئيس لنجاح منظومة العناصر الأربعة الأساسية: رأس المال، والعمل، والمواد، والإدارة الفاعلة الحكيمة. هذه الحقيقة تقودنا إلى العلاقة الوثيقة بين التقنية والمعلومات؛ فالواقع أننا نعيش الآن في عصر له سمتان: فهو عصر المعلومة، والتخصص، فالمعلومة تقودنا إلى المعرفة، والتخصص إلى الإتقان والإلمام والتحكم. والتقنية أداة توفير المعلومة، من دراسة وتصميم وتطوير وتفعيل ودعم وتشغيل أنظمتها وإدارتها، ليتمكن المستخدم من استخدامها وتوظيفها في مهامه، وتحويلها، وتخزينها، وحمايتها، ومعالجتها، وإرسالها، فضلاً عن الاسترجاع الآمن للمعلومات. ويحضرني في هذا المقام مقولة رئيس الوزراء السنغافوري الأسبق لي كوان يو، في ختام كتابه «من العالم الثالث إلى الأوّل»: «إن خطّ التقسيم الجديد للعالم سيكون بين الذين يملكون المعرفة وبين المحرومين مِنها». قولٌ سديدٌ، أثبتته الأيام، فمن يمتلك المعرفة امتلك القوة. أما خبراء الاستراتيجية فرأوا أن المعلوماتية باتت عنصراً من عناصر القوى الخمسة للدولة بل أهمها، وتُسهِم مساهمة فاعلة في الأمن الوطني للدولة. أمن الفضاء السيبراني + ولكن لتقنية المعلومات أخطار خاصة، مرتبطة في أمنها وسلامتها، وفي البيئة التي تعمل في إطارها، أي الفضاء السيبراني، كيف تقيّمون الوضع الحالي لأمن الفضاء السيبراني؟ وهل هناك أخطار حقيقية تدعو إلى القلق في هذا الشأن؟ - لا بد من التوقف بداية، عند ماهية الأمن السيبراني والأخطار السيبرانية. الأمن السيبراني هو النشاط الذي يؤمن حماية الموارد البشرية والمالية، المرتبطة في تقنيات الاتصالات والمعلومات، ويضمن إمكانات الحد من الخسائر والأضرار، التي تترتب في حال تحقق المخاطر والتهديدات، وأيضاً يتيح إعادة الوضع إلى ما كان عليه، في أسرع وقت ممكن، بحيث لا تتوقف عجلة الإنتاج، وبحيث لا تتحول الأضرار إلى خسائر دائمة. ولكن التقدم السريع في التقنية اليوم والاعتماد المتزايد في حياتنا اليومية على الأنظمة المعلوماتية والأجهزة المتصلة في الشبكة العالمية الإنترنت، من هواتف ذكية، وأجهزة حوسبة شخصية وغيرها، فتحت لنا أخطار وقضايا لم نكن نتوقعها. وهذه الأخطار شديدة الخطورة قد تؤدي إلى تهديد الأمن الوطني للدول، ومن ضمنها الأمن الاقتصادي. فأصبح الأمن السبراني «هاجساً دولياً» والمنظمات الإرهابية أصبحت منظمات إلكترونية تهاجم مصادر الإنتاج في الدول وتهددها من بُعد. وخلال السنوات القليلة الماضية، والسنة الحالية، لاحظنا هجمات سيبرانية واختراقات للأنظمة والشبكات الحيوية في الكثير من القطاعات في دول العالم. وما زالت هذه الهجمات متواصلة يومياً في محاولاتها للوصول إلى الشبكات الذكية وأنظمة التحكم الآلية في قطاعات الإنتاج، مثل: النفط والغاز، والكهرباء، والمياه، وقطاعات النقل بكل أنواعه: البري والبحري والجوي، وأسواق المال والقطاعات المصرفية، والمنشآت النووية، والخدمات الصحية، والإنتاج الصناعي الحيوي، فضلاً عن التأثيرات في تدمير البيئة. إن نجاح اختراق الشبكات الحيوية في تحقيق أهدافها، فإن نتائج هذا النجاح ستكون كارثية، تتسبب في خسائر بشرية كبيرة، ومالية هائلة، لما لها من تأثير مباشر على الحاجات المعيشية اليومية للإنسان من الماء والغذاء وبيئة سليمة خالية من التلوث. فالحوادث التي حصلت خلال السنتين الماضيتين وفي دول عدة لهو دليلاً واضحاً على مدى خطورة تلك الهجمات. لذلك نلاحظ أن هناك تزايداً ملحوظاً في الجرائم السيبرانية على رغم ما تم اعتماده من استثمار كبير في توفير أمن وحماية الإنترنت وسد الثغرات الأمنية ونقاط الضعف، واعتماد تدابير أخرى مختلفة بما في ذلك التشريعات. الثغرات الأمنية في المملكة + ما المقصود في الثغرات الأمنية؟ وكيف يتم التعامل معها في المملكة؟ - عدد الهجمات الإلكترونية التي تزايدت في الآونة الأخيرة، التي تعرضت لها كثير من الدول، كشفت الثغرات الأمنية ونقاط ضعف الأمن السيبراني في الشبكات الحيوية التي يبحثون عنها المخترقون ويستغلونها، مثلاً: عيوب برمجية، وعمليات إجرائية غير مكتملة، وضوابط أمنية غير فعالة، وعيوب تقنية في الأجهزة والمعدات، وأخطاء بشرية، وغيرها. والمملكة أدركت هذه القضايا وهذه التحديات، واتخذت التدابير اللازمة لتعزيز أمنها السيبراني وتحسين قدراتها الدفاعية لحماية شبكاتها وأنظمتها الحيوية وأمنها الوطني من خلال إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني التي باشرت اختصاصاتها التنظيمية والتشغيلية. +هناك جدلاً قائماً بأن عزل الشبكات الحيوية (الطاقة، والماء، والنقل...) تماماً عن الشبكات العامة مثل الإنترنت، هو الحل الرئيس لإيقاف الهجمات السيبرانية، ما رأيكم؟ - لا أعتقد أنه حلاً مثالياً، لأن مصادر اختراق تلك الشبكات متعددة ومخاطرها كثيرة، وليست فقط من طريق شبكة الإنترنت. واثبتت الاختراقات الأخيرة التي حصلت في العالم هذه المقولة. فيمكن اختراق تلك الشبكات من طريق سلسلة الإمداد والتموين. ويتم من طريقها توريد وشراء الأجهزة والمعدات وصيانتها واستبدالها. فيمكن اختراق هذه السلسلة من المهاجمين وتثبيت برامج خبيثة على الأجهزة والمعدات وإعادتها إلى سلسلة التوريد فتصبح - للأسف - سلسلة إمداد الهجمات. فالمهاجمون لديهم من الإمكانات المادية والتقنية والمهارات المتقدمة وحسن التنظيم وسعة البال لتصميم تلك الهجمات المعقدة واختراق سلسلة الإمداد للمؤسسات والهيئات، والطرف الثالث، مثل الشركات الاستشارية، ومزودي الخدمات التقنية، والشركات المحاسبية، والمالية، والتأمين، والقانونية، وغيرهم من الشركات الخدمية التي ترتبط مع الهيئات والمؤسسات في أعمال وخدمات. فجميع تلك الأطراف لديها أخطار في تسريب المعلومات، ويمكن أن يستغلها المهاجمون ويتم اختراق الشبكات الحيوية. إضافة إلى الموظفين العاملين: وهم أفراد مصرح لهم بالدخول إلى أجزاء من أنظمة المعلومات. وهؤلاء يمثلون تهديدات خطرة ضد هذه الأنظمة، وقد يكونون مأجورين أو بدوافع شخصية، أو بدوافع غير مقصودة كأخطاء بشرية تؤدي إلى حدوث الهجمات. مثال على ذلك الرسائل البريدية التصيّدية. عنصر المخاطرة مرتفع جداً في تنفيذ تطوير الأمن السيبراني يشرح خبير تقنية المعلومات الباحث والمستشار في الأمن السيبراني الدكتور إياد يوسف الدعيجي كيفية تطوير تخصص الأمن السيراني، أكاديمياً ومهنياً، في المملكة بقوله: «أكاديمياً من خلال وجود القيادة الفاعلة على المستويات كافة. وتعمل هذه القيادة على التشجيع في التوسع في إنشاء مراكز بحثية لتقنيات المعلومات وأمنها، وتطبيق الجودة والتميز، بما في ذلك الالتزام، والابتكار، والإبداع، والأبحاث، والكفاءة المهنية. إضافة إلى تعزيز ثقافة التفكير المستقل، واستخدام أساليب وتقنيات ذات معايير عالمية في التدريس والتعلم. أما مهنياً فيرى الدعيجي أن تقنية المعلومات «أداة حيوية استراتيجية، ولا يتم تطويرها إلا من خلال إعداد الخطط الاستراتيجية التي تنظم عملها وخدماتها وتوظفها التوظيف الدقيق للاستفادة القصوى من إمكاناتها. ولتنفيذ هذه الأداة الحيوية تنفيذاً ناجحاً وآمناً، فإن عنصر المخاطرة في تنفيذها مرتفع جداً، فلا بد من وجود قيادة فاعلة وقادرة على إعداد تلك الاستراتيجيات وتحقيق أهدافها من خلال تنفيذ المبادرات». ولأهمية مواكبة التوجه العالمي في تطوير تقنية المعلومات، أكد على التوجه نحو «الاقتصاد المعرفي» الذي يعتمد أساساً على التقنيات الحديثة في استخدام المعرفة لرفع مستوى الرفاه الاجتماعي، واستثمار الموارد المختلفة خير استثمار، مبيناً أن التقنية «وسيلة بقاء وأداء لا يمكن الاستغناء عنها في عالم مفتوح يعتمد على معيار القدرة التنافسية للتقدم والازدهار، وأحد محركات النمو الاقتصادي في الدول، وليس فقط لأنها تستحدث صناعة وتوفر فرص عمل، بل لأنها تعمل على زيادة كفاءة وفعالية القطاعات، سواء العام أم الخاص، وفي نهاية الأمر تكون في خدمة الأفراد».