ما كاد لسان مارك زوكربرغ يرتد إلى حلقه في منصة الاستجواب في الكونغرس، حتى كان خبراء في التقنية الرقمية يفندون ما قاله بشأن الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence. وفي مجلة تصدر عن «معهد ماساشوستس للتقنية» المعروف، فُنِّدت مزاعم زوكربرغ بصدد قدرة الذكاء الاصطناعي حاضراً على فهم النصوص التي يكتبها البشر. وتمّت الإشارة إلى أن توصل ذكاء الآلات إلى مرحلة يفهم فيها ما تكتبه أيدي البشر أو تنطقه ألسنتهم، ما زال في حاجة إلى قفزات نوعية كبرى تفوق ما حصل في تاريخ الذكاء الاصطناعي الممتد منذ الخمسينات من القرن العشرين. في العالم العربي، هناك أشياء كثيرة تحضر إلى الأذهان، عند التأمل في تلك النظرة المعمقة إلى قصور الذكاء الاصطناعي حاضراً عن وعود زهرية رائجة بشأنه. ومثلاً، احتارت المنصات الإلكترونية العالمية المستندة بكثافة إلى الذكاء الاصطناعي، في الحسم بشأن أنشودة «صليل الصوارم»، وهل أنها تحض على التطرف أو تعبر عن تشدد أو تنبئ بتنمر قاتل. في صيف 2017، قبل تفجر فضيحة تسريب بيانات ملايين المستخدمين الشخصية من موقع «فايسبوك» إلى شركة «كامبردج آناليتيكا»، تعهد القائمون على ذلك الموقع بمجابهة المحتوى المتطرف عبر استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. وجاء التعهد استجابة لطلب من مؤسسات وحكومات غربية متنوعة، بشأن مكافحة المحتوى المتطرف على الانترنت. إخفاق أمام معضلة اللغة آنذاك، أوضحت مونيكا بيكرت، رئيسة إدارة السياسة الدولية في «فايسبوك» باستخدام الذكاء الاصطناعي وفريق من المختصين، لمتابعة حالات التطرف التي يُبلَّغ عنها. وكذلك، أطلق «فايسبوك» حملة إعلامية روَّجَت لشرح كيفية تطويع الذكاء الاصطناعي في التعرُّف إلى الكلمات والعبارات التي تستخدمها جماعات إرهابية، ثم التعامل مع النصوص التي تحتويها. وكذلك أشارت بيكرت إلى أن تطبيقات ذكية متقدمة يستخدمها «فايسبوك» تستطيع السيطرة على خطاب التطرف والتشدد ومحاولات التجنيد عبر الانترنت. وسرعان ما تبين أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الكلمات والعبارات والجمل تحمل معاني أبعد وأعمق بكثير من المعاني الواردة في المعاجم اللغوية. واستطراداً، لو كانت المعاني القاموسية والمعجمية كافية، لكانت شركة «غوغل»، خصوصاً قسمها المخصص للترجمة، في طليعة من استفاد من ذلك. هل فاتت تلك المعطيات زوكربرغ أثناء شهادته أمام الكونغرس، أم أنه تعمد تجاهلها، وفق ما تشي تحليلات الإعلام الأميركي؟ إذ بشَّر زوكربرغ بأن «فايسبوك» سيعتمد بشكل متنامٍ على الذكاء الاصطناعي في مجابهة نصوص الكراهية والتحريض والتطرف على شبكته. وذيَّل زوكربرغ بشراه بقوله أنه متفائل بأنه في فترة زمنية تتراوح بين خمس وعشر سنوات سيكون الذكاء الاصطناعي قادراً على ابتكار أدوات تتعمق في الفروق اللغوية الدقيقة في اللغة والتي تصنع الفرق في فهم المعنى. وعلى رغم أن تلك المدة (من 5 إلى 10 سنوات) ليست أمراً هيِّناً على شبكة الانترنت، إلا أن خبراء «معهد ماساشوستس للتقنية»، تحفظوا تماماً في موافقة زوكربرغ على كونها كافية لتوصل الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة فهم لغة البشر وكلامهم ونصوصهم.