تجاوز مجلس الوزراء اللبناني في جلسته الاخيرة الاربعاء، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، قطوع الاختلاف على تأخير تعيين المساعد الأول لمدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد عباس إبراهيم مديراً عاماً للأمن العام خلفاً لسلفه الراحل اللواء وفيق جزيني بعدما تعهد إضافة الى سليمان، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتعيينه في جلسة مجلس الوزراء بعد غد الاثنين، فيما «لغز» الإفراج عن الأستونيين السبعة لا يزال يلف المفاوضات التي أدت الى إطلاقهم مع أن مصادر وزارية كشفت ل «الحياة» أن الحكومتين اللبنانية والسورية بقيتا على تواصل لأكثر من ثلاثة أسابيع انتهى الى الإسراع بإقفال ملف اختفائهم من المدينة الصناعية في زحلة في 27 آذار (مارس) الماضي. وأكدت المصادر نفسها ل «الحياة» أن مسؤولين أمنيين لبنانيين كباراً واكبوا الاتصالات بين الحكومتين اللتين توافقتا على ضرورة وضع نهاية سعيدة لملف الأستونيين عبر الإفراج عنهم نظراً الى أن ملفهم تحول الى عبء على الخاطفين الذين تم التأكد من هويتهم ورصد تنقلاتهم في المناطق المتداخلة بين البلدين. ولم تستبعد المصادر أن يكون ثمن الإفراج مبادرة الحكومة الأستونية الى تقديم «فدية» سياسية تمثلت في تحفظها عن العقوبات المفروضة من قبل دول الاتحاد الأوروبي على سورية التي سارعت الى رد الجميل لها عبر ضغطها للإفراج عنهم، باعتبار أن هذه المسألة تعفيها من الإحراج بعدما تأكد أن الخاطفين يتمتعون بحرية التحرك. ولفتت هذه المصادر الى أن الإخراج الذي أدى الى الإفراج عنهم حظي بغطاء سوري وأوروبي، وأن تكليف جهة لبنانية علية لم يكشف النقاب عن هويتها للتفاوض مع الحكومة الأستونية في شأن إطلاقهم جاء في سياق «السيناريو» المتفق عليه الذي نُفذ بحذافيره من دون أي إشكال. وبالعودة الى تأجيل تعيين إبراهيم مديراً عاماً للأمن العام، علمت «الحياة» من مصادر وزارية أن وزراء ينتمون الى «حزب الله» وحركة «أمل» و «جبهة النضال الوطني» بزعامة وليد جنبلاط سألوا عن أسباب عدم إدراج تعيينه على جدول أعمال الجلسة، وقيل لهم ان لا مشكلة وأن التعيين سيتم حتماً في الجلسة المقبلة. إلا أن سؤال هؤلاء الوزراء، بحسب المصادر، عن تأخير تعيينه فتح الباب أمام سجال بين الوزير في «أمل» علي حسن خليل ووزير «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على خلفية طائفية المدير العام للأمن العام، خصوصاً أن باسيل اعتبر أن عدم تعيينه في الجلسة ليس نهاية المطاف وأن هناك دفعات أخرى من التعيينات «ولا نرى من مبرر للانتقاء وإلا لماذا لا يُعين رئيس جديد لمجلس القضاء الأعلى؟». ولم يأخذ الوزير خليل بكلام زميله باسيل، خصوصاً أن الأخير أثار طائفية المدير العام للأمن العام «من باب المزايدة على الآخرين في الشارع المسيحي» مع أن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون كان اقتنع في لقاءاته مع قيادات في «حزب الله» بأن لا جدوى من الخوض في تغيير طائفة مدير الأمن العام. كما أن الوزراء الشيعة في الحكومة كانوا يميلون الى التحفظ عن إصدار التعيينات في حال خلوها من اسم العميد إبراهيم لكن المداخلات التي جرت معهم أدت الى عدولهم عن التحفظ بذريعة أن تأجيل الدفعة الأولى من التعيينات سيصيب الحكومة في جلستها الأولى بعد نيلها ثقة البرلمان بانتكاسة هي في غنى عنها ويمكن للمعارضة الإفادة منها في حملاتها على الأكثرية. وكان وزراء الشيعة يراهنون على أن الوقت لم ينفد لتعيين إبراهيم في عداد الدفعة الأولى من التعيينات وهم لهذا السبب انتظروا أن يأتي الضوء الأخضر من عون الى الوزراء المنتمين الى تكتل التغيير، لكن باسيل سارع الى المزايدة في محاولة غير مباشرة لاستعادة الأمن العام للموارنة. ولم يعرف ما إذا كان باسيل سيبقى على مزايدته مسيحياً أم انه سينصاع في النهاية لرغبة عون، لا سيما أن تأجيل تعيين إبراهيم يمكن أن يحفظ ماء الوجه «للجنرال» الذي كان أعلن أنه لم يطلب إعادة النظر في طائفة مدير الأمن العام وأن هناك تمنياً عليه للعمل ليستعيد هذا المنصب الى الموارنة. كما أن لتأخير تعيين إبراهيم الى جلسة الاثنين سبباً آخر يقضي بإعطاء الفرصة لمزيد من المشاورات المارونية التي ستجرى اليوم على هامش العشاء الذي يقيمه رئيس الجمهورية في دارته في عمشيت على شرف البطريرك الماروني بشارة الراعي. لذلك، وفق المصادر، ثمة رهان على الخلوات التي تعقد في عمشيت لعلها تزيل «التحفظات» عن تعيين إبراهيم، علماً أن الراعي كان أعلن أثناء ترؤسه مساء أول من أمس اللجنة النيابية المنبثقة عن اللقاء الماروني الموسع الذي عقد أخيراً في بكركي، أنه تلقى وعداً بأن تعاد المديرية العامة للأمن العام الى الموارنة. ومع أن البطريرك الراعي لم يفصح عن الجهة السياسية التي وعدته باستعادة هذا المنصب للموارنة، اعتبر أن تعيين رئيس الجمهورية السابق العماد إميل لحود اللواء جميل السيد مديراً للأمن العام لم يتم بسبب انتمائه الطائفي وإنما لشخصه.