تواصل بعثتي التنقيب عن الآثار في كل من موقعي السرين وعشم مهامهما في تنفيذ أعمال المسح والتنقيب الميداني، في ظل توقعات بأن تكون نتائج هذا العمل مهمة لإيضاح المزيد من المعلومات عن العلاقات التجارية القديمة وغيرها من الأسرار التاريخية التي تستبطنها أراضي المملكة. وأمضى أستاذ التاريخ في جامعة الملك سعود، الدكتور أحمد عمر الزيلعي نهاية الأسبوع في زيارة هذه المواقع، بوصفه مستشاراً للبعثتين، واجتمع مع البعثة الأولى في موقع السرين إلى الجنوب من الليث بحوالى 40 كيلومتراً، وهي بعثة سعودية - صينية مشتركة، والتقى الثانية في موقع عشم إلى الشرق من المظيلف في محافظة القنفذة بحوالى 19 كيلومتراً، وهي بعثة سعودية خالصة ينفذها شبان سعوديون مؤهلون ومدربون تدريباً عالياً برئاسة المدير العام للبحوث والدراسات الاثرية في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الدكتور عبدالله الزهراني. ويعد الموقعان من أهم المواقع الاسلامية جنوب غرب المملكة، وتبشر البوادر الأولى للكشف الأثري فيهما بنتائج على جانب كبير من الأهمية .واكتسبت بلدة السرّين مع بداية القرن الثالث الهجري أهمية مكانية على الطريق بين اليمن والحجاز، براً وبحراً، إذ أصبحت ملتقى طريقي تهامة البريين اللذين يجتمعان فيها ويفترقان بعدها شمالاً وجنوباً، وأصبحت السِّرين من أعظم الموانئ على ساحل البحر الأحمر بعد ميناء جدة، وكانت تمثل ممراً بحرياً يلعب دوراً مهماً في حركة التجارة البحرية بين موانئ البحر الأحمر وأقاليم السروات وتهامة والقرى الداخلية. ولعبت السِّرَّين دوراً رئيساً في توفير ما تحتاجه مكةالمكرمة وما حولها، ما يرد به التجار من ثغور الحبشة، من المتاع، وما يأتي محملاً على متن سفن الهند والصين، من التوابل والحرير .وشكلت المدينة الأثرية أثراً سياسياً وتجارياً وعسكرياً وفكرياً واضحاً، ولعبت دوراً رئيساً في الأدوار السياسية والأحداث التي تعاقبت على أرض الحجاز وشهدتها مكةالمكرمة حتى القرن الثامن الهجري إذ بدء نجم السرين في الأفول حتى هجر كلياً في بداية القرن التاسع. وأفاد عضو مجلس الشورى رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة الدكتور أحمد عمر الزيلعي أن مدينة السرين التاريخية هي إحدى الموانئ المعروفة على ساحل البحر الأحمر، وأحد أهم المحطات التي تلتقي فيها طرق التجارة والحج بين اليمن والحجاز، وتتبع من الناحية السياسية إمارة منطقة مكةالمكرمة، وهي ذات موقع هام هيأها لأن تلعب في بعض الفترات من التاريخ دوراً هاماً في الأحداث التي شهدتها المنطقة وفي علاقات مكة السياسية والحربية، مشيراً إلى أنها لعبت في قرون عدة دور الميناء الثاني بعد جدة، والميناء الرئيس لتهامة عسير الشمالية، ومن هذا الدور تستمد السِّرَّين شهرتها التاريخية بجانب كونها عاصمة رئيسة لإقليم تهامة مكةوعسير . وتنفذ الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أيضاً مشروعاً للتنقيب في موقع عشم الأثري شمال محافظة القنفذة .والذي بنيت منازله بالحجارة البازلتية التي يغلب عليها اللون الأسود، ووضعت الكتل الصخرية بعضها فوق بعض من دون استخدام المونة، ويصل عدد بيوت القرية إلى أكثر من 400 . وكشفت الأعمال الأثرية السابقة عن ظواهر معمارية عدة، إضافة إلى وجود أعمال ترميم نفذت في وقت لاحق من الاستيطان، وعثر في منطقة التنقيب على معثورات أثرية فخارية وبقايا أوان زجاجية ومعثورات تراثية .