على رغم ما مرّت به البلاد من أحداث ومشاكل ما زالت تصارعها حتى الآن، سجّلت نسبة النجاح في امتحانات البكالوريا التونسية تطوراً بنسبة 3 في المئة مقارنة بالعام الماضي، ما يؤكد إصرار الطلاّب والعائلات والإطار التربوي على إنجاح الموسم الدراسي على رغم العراقيل والخسائر الكبيرة في عدد المؤسسات التربوية جراء الأحداث التي رافقت ثورة 14 كانون الثاني (يناير). وبلغت قيمة التبرعات لفائدة مشروع «إليك يا مدرستي» الذي أطلقته جمعية «همزة وصل» لصيانة وتهيئة المؤسسات التربوية المتضررة أيام الثورة ما يزيد على 726 ألف دينار في الفترة بين 27 حزيران (يونيو) و5 تموز (يوليو). وانطلقت هذه الحملة من أجل جمع أكبر قدر ممكن من الأموال للمساهمة في إعادة تهيئة عدد من المؤسسات التربوية التي تضرّرت خلال الأيام الأولى لثورة 14 يناير إذ شهد عدد من المدارس والمعاهد عمليّات حرق وتخريب ونهب ما أثّر في مسار الدروس فيها. وكانت الخسائر التي لحقت بالمؤسسات التربوية خلال الأحداث التي رافقت الثورة تجاوزت 17 مليون دينار، جرّاء نهب ثلاثة آلاف جهاز كومبيوتر وآلات طابعة وكثير من التجهيزات المدرسية الأخرى، وهو ما يستوجب تسخير كل الإمكانات المتاحة من أجل إعادة الحياة لهذه المؤسسات وتهيئتها استعداداً للموسم الدراسي الجديد، ووضعت الوزارة برنامجين لتطوير البنية الأساسية للقطاع التربوي أحدهما للإحداثات الجديدة والثاني للصيانة بقيمة 70 مليون دينار. وساهم في مشروع «إليكِ يا مدرستي» الإنساني إلى جانب جمعية «همزة وصل»، ممثلون عن المجتمع المدني ومؤسسات اقتصادية ومواطنون، وأكد المشرفون على المشروع أنه تمّ في كنف التطوع والرغبة في المساهمة وفي إطار من الشفافية والمسؤولية. وقال وزير التربية في الحكومة الموقتة، السيد الطيب البكوش، إنّ «هذه الحملة تعبّر عن إرادة مجتمعية تلقائية من المجتمع المدني في تونس الذي هبّ وبأشكال مختلفة إلى المساعدة في المجهود الوطني الرامي إلى تعزيز بناء تونس الجديد». وكانت لهذا المشروع ردود فعل مختلفة أجمع معظمها على ضرورة إعادة الكرة. ويرى بشير الحراثي وهو أب لثلاثة تلاميذ تضررت مدرستهم في شكل كبير أنّه «لا بد من نسخ أخرى للمبادرة وبأسرع وقت ممكن لأن مجهود الدولة وحده لن يفي بما تتطلبه المؤسسات المتضررة، كما أن دور المواطن ضروري جداً في ذلك لأنه بمساهمته سيدرك أهميّة تلك المؤسسات وضرورة الحفاظ عليها بكل السبل». الأستاذة راضية وهي مربية ومتفقدة تربوية تقول: «مدارس عدة في حاجة ماسة للترميم والتجهيز، ولكن لم يعجبني استخدام صور وفيديوات عن بؤس بعض التلاميذ، ولو كانوا كباراً لرفضوا أن تعرض صورهم بتلك الطريقة». وتضيف: «مثل هذه المشاريع مهمّة ومن شأنها أن توفر بعض ما يمكن أن يعيد تهيئة المدارس المتضررة ولكنّ تدخل الدولة يبقى الأهمّ، وهذه المبادرات على نبلها لا يمكن أن تعوض دور الحكومة». ويعبّر السيد فرج الذي يرأس مجموعة من الشركات الخاصة عن مساندته المطلقة للفكرة، ويقول: «سيكون دعم المشروع أحد بنود اجتماع مجلس الإدارة لبحث طريقة دعم المبادرة والمشاركة فيها»، ويضيف: «واجبنا كتونسيين أولاً وكرجال أعمال أن نكون في الصفوف الأولى لمثل هذه الأفكار والمشاريع التي ستسمح لأبنائنا بمستقبل مشرق». وللطلاب رأيهم أيضاً لأن عدداً كبيراً منهم ساهم في مشروع «لبيّك مدرستي» كلٌّ بطريقته، من طريق حساب المشروع في البنك الوطني الفلاحي والإرساليات الهاتفية القصيرة (SMS) والبريد التونسي وعبر المواقع الإلكترونية من خلال بطاقات الائتمان البنكية. ويتحدث أمير (15 سنة) فيقول: «أنا سعيد جداً لأنني تمكنت من المساهمة في هذا المشروع ولو بمبلغ ضئيل، ولكنني متأكد من أن أطفالاً كثيرين مثلي قاموا بما قمت به وآخرون سوف يفعلون أيضاً، حتى تعود المدارس التي حرقت وسرقت كما كانت وأفضل، وحتى يتمكن إخواننا من متابعة دروسهم من دون تعطيل أو مشاكل...». ويرى وائل (15 سنة) أن لا بد من جعل المشروع على امتداد العام ويتساءل: «لماذا نكتفي بجمع المال من أجل إعادة تهيئة وإصلاح المدارس التي تعرّضت للتخريب فقط، لماذا لا يفكر المسؤولون في جمع التبرعات على مدار العام كي نبني مدارس أخرى قريبة للتلاميذ الذين يقطعون مسافات طويلة كي يصلوا لمدارسهم؟». وتبدو تونس بخير، مع أطفال يقدمون مثل هذا الاقتراح المعبّر والعميق، والذي يحمل أكثر من دلالة، إذ أنه يظهر خوف أحدهم على الآخر، وسعيهم لتقديم يد العون لبعضهم بعضاً في إطار من التكافل والتضامن والتحابب من دون حسابات ضيقة أو مصالح وقتيّة، وبعيداً من لعبة السياسة والانتخابات وما شابه... وظهر أثر ذلك في قرار مواصلة الحملة لجمع مزيد من التبرعات بعدما لاقت التجربة تأييداً حكومياً ودعماً شعبيّاً.