صدر عن أكاديمية الفنون في القاهرة، كتاب يستحق القراءة لندرة موضوعه تأليفاً في المكتبة العربية، «التمثيل من خلال التمارين» كتاب من تأليف جون جروفيكتيدسكو وترجمة دكتور سامي صلاح ومراجعة هاني مطاوع. الكتاب يذكر أن هناك طرقاً كثيرة لتعريف أو وصف الممثل، لكن كلها تكاد تتفق على أن الممثل يشكل نوعاً من السحر الذي يبني صوراً إيهاميه/ خادعة بغرض أن يوحي بواقع ما. كما أنه يعيد تنظيم مكوناتها لكي يجعل المتفرج يصدق بل يؤمن أنه –الممثل – شخص آخر. وكاتب هذه الدراسة يتفق مع هذا الرأي الذي يتردد في أبحاث عدة، ويضيف أن الممثل يكون – في شكل أو بآخر- نصاباً أو محتالاً يجيد عمله! (والساحر يعتبر نصاباً في شكل ما!) والاثنان – الساحر والنصاب- يعتمدان على التظاهر والكذب والتصنع وانتحال شخصية أخرى (أو تحويل شيء أو شخص إلى شيء آخر أو شخص آخر). لكن قواعد اللعبة تحتم عليه أن يتظاهر بصورة توحي بالأمانة، ويكذب في شكل صادق، ويتصنع بصورة مقنعة وينتحل– أو يحاكي- الشخصية الأخرى في شكل يقترب من الواقع. وإذ إن أشكال «النصب أو الاحتيال»– الكذب والتظاهر والتصنع والانتحال– تختلف من ضحية إلى أخرى، أو من فيلم إلى آخر، ومن شخصية أخرى، ومن ظروف معطاة إلى أخرى، وأيضاً من جمهور إلى آخر، فالممثل/ النصاب أو المحتال يغير لونه وفق كل بيئة (فيلم وظروفه والشخصية ومواصفاتها، والجمهور ونوعيته إلى آخره). الممثل متلوّن كالحرباء وعلى ذلك، يمكننا أن نضيف إلى تعريف الممثل أنه يكون مثل الحرباء- أو يتصف بالسمة الرئيسة فيها، وهي التلون بلون البيئة التي تتواجد فيها! بل ويمكننا أن نزعم أن هذا الوصف يمتد إلى الإنسان العادي (المفترض أن يكون الممثل شخصاً غير عادي) والمقصود بالإنسان العادي هنا هو من ليست مهنته التمثيل. إننا نجد في حياتنا اليومية مظاهر عديدة للتلون وتغيير الألوان، بل الاحتيال: فالتلميذ– مثلاً- يصبح مهذباً منمق الحديث أمام أستاذه، بينما يكون مع البواب شخصاً آخر قريباً من طبائع البواب، أو على الأقل يمّحي التهذيب والحديث المنمق ليحل محله كلام به الكثير من العجرفة والتعالي. والأستاذ يكون غاية في التحضر والتكلف في حفل بسفارة ما، بينما قد يتخذ سلوكه شكلاً مختلفاً تماماً في بيته؛ مع ابنه السيئ السلوك أو مع خادمته الحسناء! الأمثلة كثيرة من الصعب، وليس من الضروري- حصرها وهي تدل على قدرتنا العجيبة على التلون والتغير- وفق البيئة. نصاب يدرس حرفته ويضيف المؤلف إلى تعريف الممثل صفة الطالب، فسيكون من السهل أن نقول إنه نصاب قرر أن يدرس حرفته، أو أنه حرباء سيضيف إلى البيئات التي يتلون فيها البيئة العلمية. وهو يمارس النصب أو الاحتيال في تقمصه لدور الباحث الذي يقرأ في العلوم المتصلة بالتمثيل، ويحول استيعابها أو استظهارها ونقلها إلى أوراق الإجابة كي يحصل على درجة وتقدير. كما أنه يمارس النصب ويتلون مثل الحرباء مع مختلف الأساتذة/ الموجهين حتى ينال رضاهم ودرجاتهم العالية! ينتقل المؤلف إلى وصف المدرس، والذي هو موضوع هذا البحث ويجيب عن سؤال من هو المدرس– المرء لا يصحو من النوم ذات صباح ويقرر أنه سيكون مدرساً، وعلى الأخص مدرساً للتمثيل. فأولاً لا بد أن يكون لديه استعداد فطري لهذه المهنة أو المهمة الشاقة، ورغبة عارمة في القيام بها. وهذا يستتبع أن يكون ممتلئاً حماسة لهذا العمل، وأن يكون في حالة توافق وانسجام تامّين معه، بل ويمكن القول بأنه لابد أن يشعر بشغف شديد إزاءه (إن شغف وولوع المدرس بالتدريس يكون عاملاً أساسياً وهاماً في إلهام الطلبة، كي يتمكنوا من دفع أنفسهم إلى ما وراء نقاط قصورهم أو توقعاتهم) وثانياً، لا بد له– بعد الدراسة- أن يتعلم ويكون على دراية تامة بمبادئ التمثيل الأولى وبكل أساليب التمثيل. وقبل ذلك لا بد أن تكون هذه الدراسة قد حوت مواد ومناهج تشمل كل فروع الدراسات الإنسانية- والمتعلق منها بفنون وعلوم المسرح النظرية والتطبيقية- ونادراً ما نجد فرعاً من فروع العلوم الإنسانية لا يتعلق بفنون المسرح، وبالتمثيل على وجه الخصوص. ولسنا هنا بصدد إثبات هذه الحقيقة، والتي ربما لا تحتاج إلى إثبات، لكن يكفي أن نشير إلى أهمية أن يكون مدرس التمثيل ملمّاً بهذه المعارف، وإلى أن عدم إلمامه بها يفقده الكثير من مواصفات المدرس، ناهيك عن مواصفات مدرس التمثيل! ولابد للمدرس، أي مدرس أن يتمتع بقدرة على التواصل والتوصيل، وأن يكون حساساً تجاه احتياجات ومهارات ومواطن قصور، ومصادر قوة كل طالب. والأكثر أهمية أن موجه التمثيل يجب أن يمتلك القدرة على أن يغرس في طلابه فهماً واضحاً لضرورة الانضباط. فالمسرح- كما يقول ستانسلافسكي وغيره- يعتمد على فنانين ملتزمين، ليس تجاه فنهم فحسب، بل تجاه الصورة الأكبر لفن المسرح. إن الشيء الرائع في تدريس (أفضل كلمة توجيه) التمثيل – أي توجيه لطلبة / ممثلين [أو إن شئت لممثلين/ طلبة!] هو أنه يتطلب إضفاء سمة الفردية على منهج توجيه الطالب، وهي السمة التي تجعل تدريس أو توجيه التمثيل مغايراً لأي نوع آخر من المجالات الأكاديمية. وهذا يعني أن موجه التمثيل لا بد أن يجهد في تشجيع الطلبة على العمل المسرحي بأسلوب يلائم اهتماماتهم، وطموحاتهم، وقدراتهم الفردية- كما يجب أن يكون هدفه هو تحدي وتربية ورعاية الطاقة الإبداعية للطلبة، بينما يعزز ويشجعهم على القيام باكتشافاتهم الشخصية لعملية التمثيل، والتي تكون مختلفة بالنسبة لكل طالب/ ممثل. وفي الوقت الذي يوافق فيه الموجه على ضرورة وجود مهارات أساسية يحتاجها الطالب/ الممثل فيما يتعلق بالصوت، والحركة، وتحليل النص والدراية بالأساليب، وما إلى ذلك، فمن المهم أن يحرص على أن تتطور العملية الفردية وتستمر في الصقل وفقاً لأفضل ما يكون لدي الممثل/ الطالب. ودون ادعاء أنني قد وضعت كل شيء عن التدريس والتدريب في الصفحات التالية، سأحاول أن أعرض لأهم النقاط التي يجب على الموجه أن يغرسها في طالب التمثيل، وهي أيضاً الأسس التي يقوم عليها تدريب الممثل/ الطالب.