عندما حامت الشكوك حول حضور الرئيس احتفالات الذكرى المئوية الثانية لاستقلال بلده، كان ذلك اشارة الى مشكلة خطيرة. وجرى الاحتفال بالذكرى في الخامس من تموز (يوليو) باستقلال فنزويلا (التي عاد الرئيس هوغو تشافيز قبل يوم واحد من الاحتفالات بها). ويبدو ان فنزويلا دخلت طوراً من انعدام اليقين السياسي بسبب المشكلات الصحية التي يعاني تشافيز منها. وقد قال في رسالته التلفزيونية من كوبا إنه خضع لجراحة لاستئصال ورم خبيث، وإنه سيتابع العلاج بعد العملية الجراحية. وكان قد وعد بالعودة قريباً الى بلده، والنظام الصحي الكوبي واحد من أفضل الأنظمة في العالم، ويعمل فيه أطباء مميزون، لكن هؤلاء أيضاً لا يمكنهم اجتراح المعجزات. في واقع الامر، تشكل كوبا نوعاً من «غرفة مستشفى خاصة» للمسؤولين المرضى. وانضم تشافيز، البالغ من العمر 56 عاماً الى صديقه المقرب فيديل كاسترو المريض، والذي يقول تشافيز عنه إنه بمثابة الأب له. ثمة إشارات كثيرة على خطورة مشكلات تشافيز، ليس فقط لأنه بدا أثناء خطابه المتلفز «نسخة مملة» عن شخصيته الأصلية المليئة بالحيوية والحياة، بل لأنه أُعلن من كراكاس إلغاء القمة الاميركية اللاتينية التي كانت مقررة يومي 4 و5 تموز (يوليو)، بحجة تزامنها مع ذكرى استقلال البلاد. ونظراً إلى أن التكامل الاميركي-اللاتيني من الأهداف الملحّة عند تشافيز، ما كان له ان يرجئ هذا اللقاء لو لم تكن الاسباب ملحة بدورها. وتجري في فنزويلا في العام المقبل الانتخابات الرئاسية وتعلق المعارضة أمالاً كثيرة عليها. ويمكن للثوري الفنزويلي الذي يقود البلاد منذ 12 عاماً ان يعاد انتخابه (بفضل تعديلات دستورية) عدداً غير محدد من المرات، كان قد فاز في الحملات الانتخابية الثلاث بأكثرية كبيرة. وإذا أخذت في الاعتبار براعة تشافيز، يمكن الاعتقاد ان مرضه وهمي، وما من هدف له سوى جذب تعاطف مواطنيه وتعزيز مواقفه السابقة للانتخابات. على الأقل هذا ما يلمح إليه بعض المعارضين. لكن الأحداث الجارية لا تشبه تماماً ضربة إعلانية. وتشافيز ليس غبياً ليتسلى بهذا النوع من الألاعيب، فقد يكون لها تأثير عكسي. وما فتئت شعبيته تتراجع، لكنها لم تنخفض الى الحد الذي يسمح بالاعتقاد ان هزيمته في الانتخابات الرئاسية باتت محسومة. وواضح أن التأييد لتشافيز وأفكاره ينحسر. وأثناء انتخابات أيلول (سبتمبر) 2010، حصل الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا، الحاكم على 93 مقعداً من أصل 165 يتألف منها البرلمان، وكان في السابق حصل على 116 مقعداً، وبذلك لم يعد يملك ثلثي الأصوات، أي العدد اللازم لتبني القوانين الأهم للبلاد. وعلى غرار كل البلاد التي ترتكز فيها الفكرة القومية والسياسية وبنية السلطة على شخصية واحدة، تكمن مشكلة فنزويلا في ان مرض رئيس الدولة يمكن ان يصيب كل الحياة السياسية بالشلل. والعلة التي يعاني تشافيز منها زرعت الارتباك والقلق في صفوف أنصاره. ويعي أعضاء الحزب الحاكم ان «التشافيزية» من دونه لن تكون معقولة. و «التشافيزية» خليط من الافكار الاشتراكية الاميركية اللاتينية على طريقة تشافيز، ومزيج من مقولات المسيح وماركس وبوليفار (زعيم حركة التحرر الوطني في القرن التاسع عشر على الاراضي التي صارت تعرف باسم بوليفيا وفنزويلا)، وتتناثر فيها آراء مفكرين ومتمردين معاصرين من ليف تولستوي الى نوام (نعوم) تشومسكي. ولا نعلم حالياً من يمكنه الحلول مكان تشافيز اذا ترك هذا العمل السياسي لاسباب صحية، على غرار ما فعل كاسترو. ووفقاً للدستور، يتعين ان يشغل منصبه نائب الرئيس إلياس جواوا، وتطلب المعارضة نقل السلطة اليه. ويذكر أنه بالاستناد الى الدستور، لا يجوز ان يغيب الرئيس عن منصبه أكثر من 180 يوماً. ويمكن في ظروف استثنائية ان تمدد هذه الفترة 180 يوماً آخر. و لكن حتى الساعة لم يسمح تشافيز بهذا الانتقال في السلطة، ويمكنه مبدئياً إدارة البلد من بعيد، وتتيح له الاتصالات الحديثة القيام بذلك. في غضون ذلك، يبدو ان فنزويلا تنتظر بدورها «سيناريو كوبياً». فالأخ الأكبر للرئيس، آدان تشافيز، راح يتحدث بكثرة مستخدماً «صوت» تشافيز. ويشغل منصب المستشار الأول لهوغو. ويشكل آدان بالنسبة لشقيقه الأصغر نوعاً من راول كاسترو في حكومة فيديل (ويتولى راول ادارة كوبا منذ رحيل فيديل عن السلطة عام 2006). ومع ذلك، فإن آدان تشافيز أكثر جذرية من شقيقه الأصغر. وفي ما يتعلق بالمعارضة في فنزويلا، فجلي تماماً انها تفتقر إلى الوحدة. تشافيز ليس حتى مشكلة المعارضة الرئيسة. لقد صارعت المعارضة ضد تشافيز كشخصية الى الحد الذي نسيت معه ان ذلك غير كاف لنيل النصر، فما من مسؤول واحد في المعارضة اقترح برنامجاً باستثناء قلب «التشافيزية» وتشافيز. * صحافي، عن «ريا - نوفستي» الروسية 6/7/2011، إعداد حسام عيتاني