يتوجّه الهولندي المغربي حسين (يمتنع عن ذكر اسمه الثاني تحسباً من أية عواقب)، إلى المسلمين في هولندا، ممن فقدوا أبناء أو أقرباء لهم في حروب داعش والتنظيمات الإسلامية في الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة. وكان ظهر عشرات المرات في الإعلام الهولندي ليتحدث عن مأساته العائلية، بعد ذهاب ابنته من دون علمه إلى سوريا، لتلتحق بشاب مسلم من هولندا أيضاً، كان قد ذهب قبلها إلى هناك للقتال في دولة الخلافة. لم تنتهِ مأساة حسين مع هروب الابنة، إذ انضمّ إليها في سورية كل من زوجته السابقة وابنه، الذي قُتِل هناك وهو في السادسة عشر أثناء ضربة جوية. أما الابنة فأنجبت طفلتين، قبل أن تضيع أخبار العائلة وسط القتال الضاري ودخان المعارك. سافر حسين برفقة المراسل الهولندي التركي سنان كان إلى المنطقة للبحث عن ابنته هناك، وهي الرحلة التي قدّمت ضمن تحقيق تلفزيوني شديد التأثير يحمل عنوان «أطفال الخليفة الضائعون» (عُرض أخيراً على التلفزيون الحكومي الهولندي). طالب حسين من سورية بإرجاع حفيدتيه إلى هولندا، وهو المطلب الذي لم يردده دائماً في كل اللقاءات التلفزيونية خلال العام الأخير، إذ أن هؤلاء الأطفال لم يرتكبوا أي جرم، وهم هولنديين بسبب جنسية والديهم، وعلى الحكومة الهولندية– ووفق قوله – الاهتمام بهم، ونقلهم بأسرع وقت إلى هولندا، لكي يعيشوا حياة طبيعية. يستعيد التحقيق التلفزيوني الرحلة التي قطعتها ابنة حسين إلى سورية، حيث يصل إلى الجدار الذي يفصل مدينة قوباني السورية بالأراضي التركية، والذي تسللت عبره الابنة إلى سورية. ثم يصل حسين والمراسل التلفزيوني الهولندي إلى مدينة الرقة، التي عاشت فيها الابنة مع زوجها لسنوات، في حيّ أخلاه داعش من سكانه السوريين، وأسكن محلهم بالقوة أجانب التحقوا به من كل أطراف الأرض. «هنا كانت تعيش عائلة فرنسية»، يشير السوري إلى إحدى الشقق السكنية في مدينة الرقة. ويأخذ الشخص نفسه فريق البرنامج في جولة على الحيّ الذي عاشت فيه الابنة على الأرجح. «ما زالت المدينة على حالها»، يشكو سوري كان يقف في ساحة المدينة الكبيرة المدمرة اليوم، «لم تبذل السلطات الكردية التي تسيطر على المدينة أي جهود في إعمار المدينة» يكمل السوري، حيث ما زالت رائحة الموت تنبعث من البنايات المدمرة، التي ترقد تحتها جثث مدنيين ومقاتلين. يضع التحقيق التلفزيوني على عاتقه إيجاد ابنة حسين وحفيدتيه، وهذا ما يقوده إلى السلطات الكردية التي تقبض على الأمن في الرقة والمناطق المجاورة. تفتح العلاقات الواسعة الأبواب أمام المراسل الهولندي سنان كان، الذي عمل لسنوات في المنطقة، فالتقى وزراء من الحكومة الكردية التي لا تعترف بها أي دولة في العالم، ووعده هؤلاء بالمساعدة، والبحث من بين مئات النساء الأجنبيات اللواتي لم يتمكن من الهرب عن ابنة حسين. يتولى حسين بنفسه جزء من المهمة التحقيقية، فيتحدث مع سوريين في الشارع، ويسأل أسئلة عن الحال العام، وكيف كان عندما كانت داعش يسيطر على المنطقة. يجيد الهولندي المغربي الإنكليزية، كما أن لغته العربية قوية جداً، الأمر الذي يمكنه من إدارة نقاشات عميقة مع من قابلهم من سوريين وعراقيين، ويتحدث مع أشخاص مثله حول أزمة جيل الآباء الذين يواجهون ظروفاً معقدة ولها نتائج كارثية أحياناً على أبنائهم. في النهاية يعثر حسين على ابنته التي تحضر مع طفلتيها، اللتين ولدتا في زمن خلافة داعش. تبكي الابنة كثيراً، وتعلن عن ندمها، وأيضاً خوفها من ضبابية المستقبل من حولها، لأن الأكراد عاجزون عن التفاهم مع الدول الغربية لإرجاع مواطنيها، فهذه الدول ما زالت لا تعرف كيف تتعامل مع هذه المجموعة من البشر، التي مرَت بتجارب قاسية، وسيكون من الصعب كثيراً إعادة تأهيلها لكي تعود إلى الحياة السويّة.