... وكأن المناخ والسياسة ضربا موعداً أو اتفقا مسبقاً هذا العام! خريطة السياحة العربية تغيرت، كما هي حال الخريطة السياسية، فثورتا تونس ومصر اللتان نجحتا في فرض التغيير، والثورة السورية التي لا تزال تعيش مخاضاً عسيراً، غيرت مؤشرات السفر ووجهات السياحة، وتضافرت هذا العام لتخلق «أغرب موسم سياحي على الإطلاق»، بحسب بعض الخبراء، بدءاً من الأحداث التي تعصف بأهم الدول السياحية العربية، كمصر وسورية ولبنان، ومروراً بقِصَر الفترة الممكنة للسفر، والتي لا تتعدى الشهر، قبل أن يحل شهر رمضان المبارك، والذي يفضل السعوديون قضاءه في بيوتهم، أو على الأقل في بلدهم. ويلعب تواتر الأخبار عن ضعف الأمن وعصابات الليل على المشاعر، فيزيد الحنين إلى القاهرة وشوارعها، وإلى دمشق والمدن السورية، التي يتسابق الرصاص في أحيائها وبين بيوتها، وترفل الدبابات على أسفلتها لا تنتظر سائحاً، وتونس التي تشلها التظاهرات والاحتجاجات، ويأخذ فيها الأمان ركناً قصيّاً، كنتيجة طبيعية لفترة اختلال توازن الدول بعد الثورات في مرحلة البحث عن الاستقرار. عشّاق القاهرةودمشق، الذين اعتادوا على خيار واحد، لن يتمكنوا في صيف ملتهب الحرارة والأحداث من لقاء معشوقتيهم، إذ لا قيمة للسياحة في بلد ربما تفقد حياتك أو مالك فيه. تطفو دبي على سطح الخيارات، فتحتل المرتبة الأولى بينها، وتحافظ بيروت على «مدمنيها»، رغم مراوحتها في فترة «قلق داخلي»، ويبدو أن تركيا ستدخل في قائمة الخيارات الأفضل، تليها أوروبا، التي تسهِّل التجوّلَ بين دولها تأشيراتُ ال «شينغن». وللمقيمين في السعودية قصة أخرى، خصوصاً أولئك الذين تعيش دولهم مخاضات سياسية مطعّمة ب «الدم»، يعيشون مرارة المراقبة من بعيد، وهو ما يفقدهم طعم الإجازة التي اعتادوا على قضائها بين أهلهم. ويظهر تباين واضح في خريطة الوجهات السياحية، بحسب الفئة العمرية، فهناك فرق بين اختيارات الشبان والعائلات السعودية، وقد دخلت الفتيات مرحلة جديدة، بعد أن بدأ بعضهن بالسفر منفردات من دون عائلاتهن أثناء الإجازة الصيفية. وتشهد دول آسيوية تدفقاً شبابياً كبيراً، نظراً إلى رخص الأسعار ومناسبة أجوائها لجيل الشباب، بينما يشترك الشباب والعائلات في اختيار عدد من الوجهات السياحية التي تؤمن خيارات مختلفة للجميع. وتساهم الأحداث السياسية التي تشهدها دول عربية في تغيير الوجهات السياحية للأغلبية، وبدأت الوجهة الأوروبية تطرح نفسها بقوة لدى الشباب، إضافة إلى أميركا الجنوبية والشمالية، إذ يستغل بعضهم وجود أصدقائهم وأقاربهم من المبتعَثين للدراسة هناك، ما يخفضّ كلفة السفر في ظلّ وجود سكن مؤمّن. أمّا عشاق القاهرةودمشق، فيبدون أمام الخيار الأصعب هذا العام، فالقاهرة التي اعتادت أن تستقبلهم ب «الأحضان»، لم تعد المدينة ذاتها، وهي تعيش مخاضاً سياسياً وأمنياً بعد نجاح ثورة 25 يناير. ولو جازف بعض محبّي المدينتين بالذهاب إلى قاهرة الثورة، فإنهم لن يفعلوا بالنسبة إلى دمشق، فالأوضاع في العاصمة السورية «مشتعلة» ولا مكان للسياح فيها. ويؤكد نائب رئيس مجلس إدارة شركة «الطيار للسفر والسياحة» الدكتور ناصر الطيار، أن الأحداث في المنطقة أثّرت في موسم السفر «بشكل كبير»، مشيراً إلى أن السياحة «تكاد تنعدم في الدول العربية، خصوصاً في مصر، التي تُعتبر الوجهة العربية الأولى للمواطنين، إضافة إلى لبنان وسورية». ويوضح ان «خيارات السعوديين للسفر أخذت مناحي أخرى، وتحوّل الضغط إلى دول أوروبا وأميركا وماليزيا، بحسب ما تظهره الحجوزات الكثيفة على هذه المناطق الثلاث»، واصفاً موسم السياحة لهذا العام ب «أغرب المواسم التي تمر على خبراء السياحة». ويضيف: «لا نستطيع أن نتكهّن بعدد السيّاح السعوديين الذين سيذهبون إلى الخارج هذا العام»، متوقعاً أن تشهد السياحة الداخلية انتعاشاً. ويقلل من احتمال أن تشهد دبي إقبالاً كبيراً بصفتها وجهة سياحية، «لأن غالبية من يزورون دبي يأخذونها كمجرد نزهة قصيرة في حال عدم سفرهم إلى دول أخرى». أمّا نائب رئيس لجنة السفر والسياحة في الغرفة التجارية وليد السبيعي، فيبدي رأياً مناقضاً، ويعتبر أن أحداث المنطقة «لن توثر في سفر السعوديين خارج المملكة»، عازياً ذلك إلى أن «السياحة باتت ثقافة متأصلة لدى العائلة السعودية، خصوصاً أن العوامل الجوية في المملكة لا تساعد في المكوث خلال فترة الصيف». ويرى مراقبون، أنه في ظلّ الأوضاع الراهنة، فإن انضمام الأردن والمغرب لدول الخليج سيزيد من حصص «العضوين المستقبليَّيْن» في مجال السياحة هذا الصيف، خصوصاً مع الهدوء النسبي وتوافر الأمن في كليهما. ويرجّح المستثمر في قطاع السياحة إبراهيم الراشد، أن المفاوضات الجارية حالياً لانضمام الأردن ستنعكس على القطاع السياحي بشكل أكبر من الجانب المغربي. ... وفي الانتظار، قرّر عدد كبير من السعوديين العزوف عن السفر هذا الصيف، ليستبدلوا «رحلة الصيف»، برحلة أخرى تنعم بالهدوء، الذي يأملون ان تحققه مع قدوم الشتاء.