ملامح الحياة القاسية التي اعتادها سكان إقليم شرق السودان قد تتبدل بعد بناء سد أعالي نهري عطبرة وسيتيت. فقد نجحت الحكومة أخيراً في توفير التمويل اللازم لإنشائه بعد انتظار طال أكثر من 40 سنة. ويعد المشروع بنهضة زراعية في الإقليم الفقير، على رغم حتمية نزوح أهالي 52 قرية ستغمرها بحيرة السد. خلال أقل من خمس سنوات سوف يتم إنجاز مشروع سد أعالي نهر عطبرة وسد نهر ستيت، المتصلين، بكلفة نحو بليوني دولار، ليخرج إقليم شرق السودان المصنف ثالثاً في أسفل سلم المناطق الأقل نمواً في البلاد من فقره المزمن. فطوال السنين السابقة عانى الإقليم، المكون من ثلاث ولايات هي البحر الأحمر وكسلاوالقضارف، من التخلف الاقتصادي وموجات الجفاف والتصحر والأزمات الغذائية والأمراض. وقد اعتبر والي كسلا محمد يوسف آدم أن السد مشروع زراعي مهم لتحقيق نهوض اقتصادي واجتماعي كبير في إقليم شرق السودان، الذي تبلغ مساحته 336 ألف كيلومتر مربع ويسكنه 4,5 مليون نسمة، أي 12 في المئة من مجموع سكان السودان. بدأت شركتان صينيتان تعدّان من أكبر الشركات العاملة في مشاريع السدود والطاقة الكهرمائية تنفيذ المشروع في أيار (مايو) 2010، بالتعاون مع شركة سوكريا الاستشارية الفرنسية التي صممت خزان خشم القربة وأشرفت على تنفيذه عام 1963، وبإشراف شركة لامير العالمية التي أشرفت على تصميم وتنفيذ سد مروي. يشمل المشروع، الذي يمتد في ولايتي القضارفوكسلا، إنشاء سدين متصلين وملحقاتهما على نهري أعالي عطبرة وستيت مع محطتين لتوليد الكهرباء. وتقدر السعة التخزينية لبحيرة السدين بنحو 2,7 بليون متر مكعب. ويتكون المشروع من جزءين: سد أعالي نهر عطبرة: يشمل إنشاء سد ترابي ومفيض خرساني يضم مفرِّغاً للقاع، ومحطة كهربائية لتوليد 120 ميغاواط، إضافة إلى إنشاء قناة ترابية مفتوحة للربط بين نهري عطبرة وستيت. سد نهر ستيت: يشمل إنشاء سد ترابي مع المنشآت الملحقة به، ومسرباً للمياه تبلغ قدرة تصريفه نحو 180 متراً مكعباً في الثانية، وتقع ضمنه محطة صغيرة لتوليد 15 ميغاواط من الكهرباء. يشمل المشروع أيضاً الأعمال التحضيرية اللازمة، بما في ذلك فتح طريق إلى موقع السدين، وإنشاء جسر للعبور بين ضفتي النهر، إضافة إلى الأعمال الهيدروميكانيكية من بوابات وأنابيب ورافعات وتجهيزات للتحكم بالمياه. منذ سبعينات القرن المنصرم ظلت الحكومات المتعاقبة تبحث عن تمويل لهذا المشروع ذي الأهمية الاستراتيجية لشرق السودان ومستقبله الاقتصادي. وقد وافقت حكومة الكويت، خلال المؤتمر الدولي للمانحين والمستثمرين في شرق السودان في كانون الأول (ديسمبر) 2010، على المساهمة ب500 مليون دولار. وتم التوقيع مؤخراً في الخرطوم على اتفاقية قرض من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية تفوق قيمته 90 مليون دولار. تنمية شاملة وإعادة توطين يهدف مشروع سدّي أعالي نهري عطبرة وستيت إلى ري نحو 500 ألف فدان، وتخفيف دفق الطمي على بحيرة خزان خشم القربة التي فقدت نحو 60 في المئة من سعتها التخزينية، وهي ترفد مشروع حلفاالجديدة الزراعي بالمياه. وسوف يساهم في تنمية منطقة شرق السودان عن طريق زيادة الإنتاج الزراعي وتوليد الطاقة الكهربائية وتوفير مياه الشرب، عبر تطوير واستغلال الموارد المائية المتوافرة لتكثيف الزراعة في منطقة حلفاالجديدة، ومستقبلاً تطوير الأراضي في أعالي عطبرة. كما يهدف المشروع إلى حماية المنطقة من الفيضانات عن طريق تنظيم تدفق مياه النهرين. ويتوقع أن تتأثر بالمشروع 52 قرية تضم أكثر من 110 آلاف أسرة، بشكل كلي أو جزئي، إذ سوف تغمر البحيرة 49 كيلومتراً مربعاً من القرى الواقعة على ضفتي نهر عطبرة و10 كيلومترات مربعة من تلك الواقعة على ضفتي نهر ستيت. وقد باشرت وحدة تنفيذ السدود إحصاء السكان والأراضي والمزروعات في المناطق والقرى المتأثرة، بإشراف وزارات العدل والتخطيط العمراني والزراعة والجهاز القضائي والجهاز المركزي للإحصاء، لاختيار مواقع إعادة التوطين وبناء المساكن وإنشاء المشاريع الزراعية والخدمات للمتأثرين. شرق غني وفقير في آن يمثل شرق السودان موقعاً جغرافياً استراتيجياً ويشكل حدود السودان الدولية مع أربع دول هي: مصر شمالاً وإريتريا وإثيوبيا شرقاً والسعودية شرقاً أيضاً عبر ساحل البحر الأحمر. وهو المنفذ البحري نحو العالم الخارجي لصادرات السودان ووارداته، إذ يضم ثلاثة موانئ هي: بور سودان، وميناء عثمان دقنة، وميناء بشائر والميناء الجنوبي اللذان خصصا لتصدير نفط البلاد البالغ نحو 500 ألف برميل يومياً. ويتميز هذا الإقليم بوفرة الموارد الطبيعية. ففيه مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وأراضي دلتا الأنهار الموسمية ومصبات الوديان، يبلغ إجمالي مساحتها 6750 مليون فدان. وهو غني بموارد المياه من أمطار وخزانات جوفية، وبالثروة الحيوانية الكبيرة التي تقدر بنحو 8,8 مليون رأس من الماشية، وبالغابات والمراعي الطبيعية والثروة المعدنية مثل الذهب والحديد والبترول والغاز الطبيعي، والثروة السمكية في البحر الأحمر، والمقومات السياحية، وتعدد التضاريس وتنوع المناخ، وتركيبة سكانية تتسم بالتنوع الثقافي. وعلى رغم ذلك، يشهد الشرق أدنى مؤشرات التنمية مقارنة ببقية ولايات السودان، إذ يبلغ معدل وفيات الأمهات لكل 100,000 ولادة في ولاية كسلا 1400 وفي القضارف 609. وترتفع نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى 32 في الألف في البحر الأحمر، و38 في كسلا، و34 في القضارف. ولا تتعدى نسبة السكان الذين يحصلون على مياه نظيفة وصالحة للشرب 33 في المئة في البحر الأحمر، و42 في المئة في كسلا، و37 في المئة في القضارف. الحرب الأهلية في الإقليم بين 1995 و2005 زادت الأوضاع سوءاً، إذ أدت إلى ازدياد معدلات النزوح واللجوء واتساع دائرة الفقر وانتشار الألغام على مساحة 330 كيلومتراً مربعاً، ما أعاق تطور نوعية الحياة، إلى أن وقعت اتفاقية سلام بين الحكومة السودانية وجبهة الشرق في العاصمة الإريترية أسمرا في تشرين الأول (أكتوبر) 2006. وقال رئيس الجبهة موسى محمد أحمد، الذي يتولى منصب مساعد الرئيس السوداني بموجب الاتفاقية، إن الاتفاقية هيأت الظروف الملائمة لتنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة في المنطقة وفق خطط عملية، وأتاحت فرص الاستفادة من الدعم الخارجي. وأكد المدير التنفيذي لصندوق إعمار الشرق أبو عبيدة محمد الدج أن جميع الأطراف الموقِّعة على الاتفاقية تعمل كجبهة واحدة لإحداث تغيير تنموي كبير في المنطقة، لافتاً إلى أن ولايات شرق السودان الثلاث باتت مهيأة للاستثمار والتنمية، وأن المشاريع التي أعدتها مع الصندوق يمكنها تغيير وجه الحياة هناك إلى الأبد.