توقفت مصادر سياسية بارزة أمام الفقرة المتعلقة بالحوار في البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي معتبرة أن الحكومة سلّمت عبر هذه الفقرة بإنهاء هيئة الحوار الوطني التي كان نص عليها اتفاق الدوحة في أيار (مايو) 2008، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان. ولفتت المصادر نفسها الى أن تجاهل هيئة الحوار الوطني في نص البيان الوزاري يكرّس الموقف الذي كان أخذه قادة قوى 8 آذار، لا سيما رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، والأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله قبل أشهر بأن لا ضرورة للحوار، الذي بقي على جدول أعماله موضوع الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان والذي يتضمن في نظر قوى 14 آذار حلاً لموضوع سلاح «حزب الله». وكانت خلفية موقف نصرالله وعون الرافض لاستمرار اجتماعات هيئة الحوار هو رفض مناقشة مسألة السلاح التي كانت قوى 14 آذار تصر على إيجاد حل له والبحث في انضوائه تحت أمرة الشرعية. وجاء في النص الذي اعتمده البيان الوزاري للحكومة الآتي: «والحكومة ترى تأكيد أهمية الحوار الوطني كحاجة لحل النزاعات السياسية وتنمية ثقافة الحوار لدى اللبنانيين، وهي معنية أيضاً بتنفيذ مقررات الحوار الوطني الخاصة بإنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ومعالجة الأمن والسلاح داخلها، مع التشديد على أن حماية هذه المخيمات وأمن الفلسطينيين الساكنين فيها، هي مسؤولية الدولة وحدها». إلا أن مصادر وزارية متعددة أبلغت الى «الحياة» أن هذه الفقرة خضعت لنقاش، سواء أثناء اجتماعات لجنة صوغ البيان الوزاري أو خلال مناقشة صيغته في اجتماع مجلس الوزراء يوم الخميس الماضي. وأشارت المعلومات في هذا الصدد الى أن صياغة المسودة التي عرضت على اللجنة الوزارية في البداية لم تكن تنص على أن يدعو رئيس الجمهورية لعودة هيئة الحوار الى الاجتماع من أجل مواصلة هذا الحوار، وأنها ذكرت فقط في إحدى المسودات التي كان عرضها الرئيس ميقاتي للبند الخلافي المتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، على هامش اجتماعات اللجنة حين أشار الى أن يُعرض أي أمر خلافي يطرأ لاحقاً في شأن المحكمة على هيئة الحوار. وقد رفض فريق الرئيس بري - «حزب الله» هذه الفقرة التي كان ميقاتي على ما يبدو يتوخى منها أن يحصل إجماع حول طريقة التعاطي مع ما تطلبه المحكمة الدولية لاحقاً وليس لاتخاذ موقف من أساس المحكمة التي يعتبر أن لبنان ملزم بالقرار الدولي الذي أنشأها. وأشارت المصادر الوزارية الى أن بري أبلغ ميقاتي الرفض الكامل لإحالة أي خلاف حول إجراءات المحكمة الى هيئة الحوار. (كانت قوى 14 آذار رفضت الفكرة عندما طرحت في الإعلام خشية أن تحمل في طياتها إمكان البحث في إعادة النظر في موقف لبنان الداعم للمحكمة). وذكرت المصادر الوزارية أن تغييب أي نص بالدعوة لهيئة الحوار دفع بعض الوزراء الى التذكير بأهمية النص على أن يدعو الرئيس سليمان الى عقدها لاستئناف الحوار، خصوصاً أن الرئيس سليمان كان لمّح الى أنه سيدعو الهيئة للالتئام، وأن أحد أركان الأكثرية، رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط، لم يتوقف عن الدعوة الى الحوار بين الفرقاء في ظل التباعد الحاصل بين 8 و14 آذار، فأصر فريقه الوزاري على تضمين البيان الوزاري فقرة على استئناف هيئة الحوار برئاسة سليمان، إلا أن فريق «حزب الله» - عون أصر على رفض ذلك. وقالت المصادر ل «الحياة» إن النقاش حول هذا الأمر تجدّد في مجلس الوزراء، بعد السجال الذي حصل على البند المتعلق بالمحكمة الذي أدى الى تحفظ الوزراء الأعضاء في فريق ميقاتي، بدءاً من وزير المال محمد الصفدي، ووزراء فريق جنبلاط والوزير سمير مقبل على اعتماد كلمة «مبدئياً» في النص الذي يشير الى أن «الحكومة ستتابع مسار المحكمة التي أنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة»، نظراً الى الالتباس الذي تتركه كلمة مبدئياً في الموقف من القرار 1757 الذي كرّس إنشائها عملياً. وبعد التحفظ جرى نقاش حول مبدأ الحوار الوطني، فأكد وزير الأشغال غازي العريضي أن الحكومة ستواجهها تحديات ومصاعب ومتاعب ونحن من الأساس قلنا إن السبيل الوحيد لمعالجة كل المشاكل هو الحوار، واستشهد بكلام قاله وزير الصحة علي حسن خليل عن أن على الحكومة أن تأخذ في الاعتبار هواجس فريق معين، للإشارة الى ضرورة أن يدعو الرئيس سليمان هيئة الحوار للاجتماع حين يرى ذلك مناسباً لأن لا بديل منه، فهناك احتقان في النفوس ونحن مجتمعون جاءت أنباء صدور القرار الاتهامي، وهناك في الوقت نفسه فريق لديه شكوك ويحتاج الوضع الى تواصل بين الفرقاء. وقالت المصادر الوزارية إن نقاشاً حصل حول الفكرة لم يصل الى نتيجة، لأن الوزير محمد فنيش أكد أنه لا ضرورة للنص على دعوة هيئة الحوار ويمكن التشديد على أهمية ثقافة الحوار، فيما قال وزير الثقافة غابي ليون (التيار العوني) إنه لا يجوز التركيز على هيئة الحوار لمعالجة الخلافات لأن هذه الفكرة توحي للخارج بأن هناك خلافات ونزاعات بين اللبنانيين أو داخل الحكومة. وفي المقابل اعتبر وزراء آخرون أن لا يجوز تجاهل وجود خلافات والقفز فوقها، بينما أكد الفريق المعارض لفكرة العودة الى هيئة الحوار أن حصول الحوار داخل الحكومة كاف. وفيما ذكرت المصادر الوزارية أن الفقرة المتعلقة بهذا الأمر بقيت على حالها خصوصاً أن الرئيس سليمان لم يدلِ بدلوه في الموضوع، أعربت المصادر السياسية البارزة عن خشيتها من أن يؤشر رفض استئناف هيئة الحوال الى تكريس ذهنية تجاهل الفريق الآخر المعارض، وأن يكرّس المنطق الكيدي في سياسة بعض قوى الأكثرية الحالية داخل الحكومة، وهذا ما يزيد صعوبة عملها.