ليس مطلوباً ممن يريدون الغناء في «كورال الشعب» أن يكونوا محترفي غناء أو عازفين. ليس عليهم سوى المشاركة في ورشة تدريب بسيطة، يتعرفون من خلالها على بعضهم البعض، ثم يقدمون اقتراحاتهم على شكل كلمات، لكنها يجب أن تكون كلمات من صلب همومهم اليومية، تحاكي قضاياهم الاجتماعية والسياسية وظروفهم الاقتصادية. دعا «كورال الشعب» الشباب الذين ملّوا الخطابات السياسية واللافتات والمهرجانات والتظاهرات، إلى رصد حالة المجتمع، رافضين الصحف اليومية الباهتة، منتقدين النواب الذين حال وصولهم إلى البرلمان يديرون ظهورهم للناخبين خصوصاً الشباب منهم. ومنذ عرضهم الأول في آذار (مارس) الماضي، وهم يحاولون تطوير التجربة التي تبناها أحمد زعتري وتولين توق. تدرب الشباب والشابات على يدي الشاب المصري سلام يسري، وهو صاحب نسخة «كورال شكاوى القاهرة» التي لاقت رواجاً لافتاً، وقبولاً شبابياً، علماً أن السلطات المصرية كانت منعتها قبل الثورة، باعتبارها نشاطاً «تحريضياً». أما المشاركة في «مهرجان موسيقى البلد»، في حفلة حية أمام الجمهور على مسرح «الأوديون» الذي اعيد ترميمه وسط العاصمة الأردنية عمّان، فيعتبرها أعضاء الجوقة نقطة مفصلية في نشاطهم التعبيري. تقول تولين توق، وهي ناشطة في تيارات شبابية، عن بدايات التجربة: «في الحفلة الأولى غنينا عن «البرجين الواقفين» ورقصنا أيضاً، وغنينا عن الصحف اليوميّة الباهتة، وعن الحيطان «اللي إلها دنين»، وعن النواب «اللي بيستلموا الكرسي وبيطقعولنا»، وفنجان القهوة «اللي بيحلّ وقعتنا»، وعن سؤال الهويّة الذي لم نستطع التخلص منه فنقول «جدك انولد وين»؟ لكننا نريد أن نطور أفكارنا، ولم نكن نعلم، حين كتبنا كلمات الأغاني ولحنّاها أن الآتي أصعب». فالحال إن الدعوة التي أطلقها منظمو «كورال الشعب» ركّزت على أن يشارك الشباب بحناجرهم وهمومهم، وأن يركزوا على القضايا المشتركة التي ستعبر عنها كلماتهم مجتمعة، وذلك في سعي إلى الاختلاف عن السائد في الشارع الأردني من أساليب تعبير نقدية. وترى الناشطة توق أن سقف مطالب الشباب ارتفع، «وفكرة كورال هي مشروع يترجم، بأسلوب ساخر، مسألة الهوية وتعددها، مثلاً، والهموم الاقتصادية في الأردن، ونتناول آفة الوساطة في العمل، ومطلب حرية الإعلام». وتضيف توق: «من خلال 30 شاب وشابة، وعلى مدار العام، يُطرح الكثير من القضايا التي تؤرق الشعب ونوحد خطاباً يعبر عن مطالبنا، نشعر بأننا، من خلال الكورال، وجدنا شكلاً تعبيرياً جديداً». ويبدو أن فكرة «كورال الشعب» عابرة للحدود كما هي عابرة للقضايا، وبدأت تصل إلى الشباب والشابات في مختلف العواصم العربية، علماً أنها بدأت في فنلندا، ووصلت إلى القاهرة، والآن تنفذ في عمّان، ويحكى عن مشاريع مشابهة في لبنان وفلسطين وتونس والمغرب. ويقول المدرب سلام يسري إن مشروع الكورال هو «ورشة عمل مفتوحة، وفي كل مرّة نختار لها موضوعاً مختلفاً. وخلال أسبوع من اللعب والارتجال والتأليف والتلحين الجماعي، يظهر المنتج الفني، ويتمثل في عدد من الأغاني، ولا تتجاوز مدة عرض الورشة 15 دقيقة». هكذا يدعو مشروع «كورال» الأفراد إلى المشاركة والغناء عن أحلامهم وأفكارهم وحتى نكاتهم. جاءت المبادرة جماعية أولاً، في أيار (مايو) 2010، بعدما شاركت مجموعة من 25 شاباً وشابة مصريين إضافة إلى بعض العرب في ورشة «كورال شكاوى القاهرة»، الذي كان جزءاً من مشروع دولي، بدأه شخصان من فنلندا، مستندين على مثل فنلندي يقول «بدل أن تشتكي، غنِّ»، ثم انتشرت فكرة الشكوى بالغناء في عشرات المدن حول العالم. وإذا كان «كورال الشكاوى» حرص على جمع الشباب بهدف إعلاء الصوت الشاكي، فإنه في السياق ذاته يجمعهم على الضحك وإدخال حس الدعابة والسخرية اللاذعة إلى أغانيهم. وعلى رغم اختلاف خلفية كل واحد منهم عن الآخر، فقد ظلوا مجموعة وقرروا أن يستمروا وأن يأسسوا مشروعاً دائماً ومستقلاً ليضمّوا شباباً جدداً في كل ورشة... وهكذا كان.