الشعارات التي كان يرفعها المعتصمون في مصر، تحولت إلى مقاطع وجمل في لحن طويل وآسر قدمته أخيراً مجموعة من الشباب على مسرح «روابط» في القاهرة تحت عنوان «يوتوبيا». كانت الشعارات والجمل ترتفع فيرددها الجمهور الذي ملأ المسرح عن آخره. تتابعت الشعارات والهتافات لتشكل نغماً واحداً متسلسلاً وهادراً، وتجاوب معها الجمهور في حماسة مختلطة بالدموع، ليتحول المسرح بمساحته المحدودة إلى مشهد مصغر من «ميدان التحرير» في قلب القاهرة. «يوتوبيا» ليس مجرد اسم، بل وصف تردد على ألسنة البعض لحالة جماعية وإنسانية غير مسبوقة شهدها «ميدان التحرير» في القاهرة خلال أيام الاعتصام. اتخذ الفريق من تلك الكلمة عنواناً للمشروع، فهو يعبر عنهم وعن مشاهداتهم كمجموعة من الشباب مثلوا جزءاً من تلك الحالة، ومن بينهم سقطت سالي زهران مستشهدة، تلك الشابة الجميلة التي تحولت إلى ما يشبه الأيقونة للثورة المصرية، كانت واحدة منهم، تغني معهم وتتطلع إلى غد أفضل. استشهدت زهران وهي تحاول إدخال الطعام إلى المعتصمين في «ميدان التحرير»، ولأنها المرة الأولى التي تتغيب فيها عن المشاركة معهم، فقد أُهدي العرض لها ولغيرها ممن سقطوا خلال الثورة المصرية. «يوتوبيا» كان احتفالاً بالنصر والحرية، تلك الحرية التي عرفوا قيمتها بعد أن أزاحوا عنهم أيدي الرقابة الأمنية التي طالما عطلت عروضهم خلال الشهور القليلة الماضية، وها هم يرفعون أصواتهم اليوم بلا قيد ولا رقيب .«مش هانخاف مش هانطاطي/ إحنا كرهنا الصوت الواطي، الخوف مافيش/ مافيش شاويش/ مافيش طابور/ عشان رغيف، إرفع كل رايات النصر/ إحنا شباب هنحرر مصر، الشعب يريد حياة الميدان، إرفع راسك فوق/ إنت مصري»، لتنتهي أغاني الكورال بهذه الجملة الأخيرة بمشاركة صاخبة وحماسية من الجمهور. كورال «يوتوبيا» هو أحدث المشاريع الغنائية التي تقدمها مجموعة من الشباب تحت عنوان «مشروع كورال»، وسبقته عروض عدة تحت عناوين مختلفة منها كورال الشكاوى وكورال الأمثال الشعبية. ومشروع كورال عبارة عن ورشة عمل مفتوحة ومتغيرة، إذ يتم اختيار موضوع مختلف في كل مرة، وعبر اللقاءات التي تتم بين أفراد المجموعة، ومن خلال الارتجال الحر والمشاركة الجماعية على مستوى تأليف الكلمات والألحان يظهر المنتج الفني في عدد من الأغاني المرتبطة في سياق محدد يتم الاتفاق عليه. ويدعو مشروع كورال الناس ليتشاركوا أحلامهم واهتماماتهم ومشاعرهم وأفكارهم ونكاتهم بالغناء، ويساعدهم أيضاً في التعبير عن أنفسهم بطريقة فنية ممتعة لهم قبل أن تكون ممتعة للجمهور. وتشكلت الفكرة في عام 2010 بعد مشاركة مجموعة من 25 شاباً وشابة من مصر وبعض البلدان العربية في ورشة كورال شكاوى القاهرة والذي كان جزءاً من مشروع دولي بدأه اثنان من فنلندا مستندين إلى مثل شعبي شائع في بلدهم يدعو إلى الغناء بدلاً من الشكوى، بعدها انتشرت فكرة الشكوى بالغناء في عشرات المدن حول العالم. عرض كورال الشكاوى في مصر ولقي ترحيب واستحسان كثيرين لفكرته أولاً، ثم لارتجاله وعفويته أيضاً. فالاشتراك في الكورال لا يتطلب اختباراً أو شروطاً بعينها، كالخبرة في الغناء أو الموسيقى. فالرغبة فقط في الانضمام هي ما تؤهلك للمشاركة، بصرف النظر عن خبرتك السابقة. اجتمع الشباب على الشكوى في البداية، كما جمعتهم أيضاً السخرية من الواقع من خلال الكلمات والموسيقى. وعلى رغم تباين الثقافة والاهتمام فإنهم أصبحوا مجموعة وقرروا أن يستمروا ويؤسسوا مشروعاً دائماً بانضمام مشاركين آخرين. مشروع كورال مشروع مستقل بقوام متحرك من أعضاء مؤسسين أغلبهم غير محترفين للفن والغناء، وغالباً ما يدعى في كل ورشة أعضاء جدد من دون تجارب أو اختبارات.