على رغم كمية الإحباطات والإمكانيات المحدودة والضغوطات المتزايدة، ورغم انفراط عقد أكثر الأحبة وظلم ذوي القربى، كعادة أهل الزمن تجاه من جار عليه الزمن، وعلى رغم عشرات الأسباب القاهرة والظروف الصعبة، استطاع تلفزيون لبنان الاستمرار ولو «بشق النفس»، في ظل هيمنة إمبراطوريات إعلامية ضخمة وشرسة، واستطاع العيش والاستمرار، ليس بفضل الشعار الذي يرفعه «كي لا ننسى» (والذي يبدو وكأنه إعلان عن ان المحطة منطقة منكوبة)، بل بفضل انتاج العديد من البرامج المحلية ذات التماس المباشر مع المشاهد، والتي استطاعت ان تحقق نجاحاً حقق نسبة مشاهدة لا باس بها، بعض هذه البرامج استطاع ان يتطور ويطور نفسه، وبأدواته الخاصة والبسيطة، مستفيداً من التجربة والخبرة عبر سنوات من البث المباشر، ومن بين هذه البرامج «صباح الخير يا لبنان»، المجلة التلفزيونية المتنوعة والمتعددة المواضيع. يحق للمحطة ان تفخر بهذا البرنامج، الذي استطاع الاستمرار كل تلك السنوات، بل نافس الكثير من البرامج المماثلة المنتشرة على مساحة الإعلام اللبناني والعربي، والتي تتمتع بإمكانات هائلة تبهر العين والبصر، على مستوى الشكل والصورة، اما المضمون والعمق والبُعد الثقافي، فكثير منها يعاني الهزال بشكل او بآخر. «صباح الخير يا لبنان» الفقير لكن الأبيّ، قد لا يجذب الكثير من المشاهدين الباحثين عن المتعة والتسلية والصورة البراقة، إلاّ أنه من دون أدنى شك، يجذب العديد من المواهب الجديدة في هذه المجالات، ويقدم ذلك كله في قالب بسيط ومبسط، من دون فذلكة وتعقيدات، حتى وصلت المعلومة الى المستويات الثقافية كافة، فليس بالضرورة ان يكون المشاهد عاليَ الثقافة كي يفهم ويستوعب ما يريد المُعِدُّ ايصاله الى المشاهد البسيط. وهو ليس على غرار بعض البرامج التي يعتمد فيها المعد والمقدم لغة حجرية مبهمة شائكة عصية على الفهم، بحجة العمق والإبداع. فيا ايها المثقف والمبدع، ما نفع ان تتكلم ساعات وساعات عن «الميتافيزيقا» مثلاً، من دون ان تشرح لي معنى هذه الكلمة أولاً. حسناً فَعَلَ تلفزيون لبنان، عندما استعان بالباشا المثقف لإطلاق برنامج ينقذ المحطة من رتابة برامج معادة يومياً، ويعيد إليها بعضاً من وهجها الغابر ويجذب المشاهدين. لا شك في أن المهمة لم تكن سهلة، فلقد عانى الباشا ما عاناه من اوضاع تلفزيون لبنان المتدهورة على كل الصعد، فالمسؤولية كانت كبيرة ومرهقة، ولا تقتصر على الإشراف والإعداد، وانما كان لا بد من افتتاح ورشة لإصلاح ما أمكن، ونشر روح الثقافة والوعي والمبادرة في نفوس العاملين معه ومن حوله. لقد نجح حيناً وأخفق أحياناً، ولكن التجربة أدت في النهاية الى ولادة برنامج يستحق المتابعة والتنويه. يدرك الباشا، كما يدرك غيره من العاملين في هذا المجال، أن نجاح البرنامج واستمراره على مدى عشر سنوات، ما كان ليتحقق لولا جهوده ومثابرة المخرجة سلام معلم خليفة، الجندي المجهول حقاً، والتي عملت ولا تزال بصمت خلف الكاميرا وبعيداً من الأضواء .