في البداية أودُّ أن أعترف بأني ممّن هجروا التلفزيون عامة، وقنوات الإعلام الرسمي خاصة، منذ أكثر من ثلاث سنوات.. ليس لأمر العزوف علاقة بالربيع العربي، ولا بتنحي حسني مبارك، ولا لتعادل المنتخب السعودي مع الأرجنتيني.. بصريح العبارة، ومن وجهة نظري الشخصية فقط، أعتقد أن القنوات الرسمية لم تعد تقدم ما يمكن من خلاله شد المتلقي أو لفت انتباهه.. إلاّ أن التلفزيون السعودي ممثلاً في القناة الأولى ظل في سنواته الأخيرة يراوح في مساحات الإبداع، ويحاذر من مواطن الإسفاف، ويبتعد عمّا يدور في رحى التكرار لأفكار البرامج.. وبرغم الكوادر الشابة الموجوده فيه إلاّ أن تلفزيوننا العزيز ربما يسقط أحيانًا وبغير قصد فيما يحاذر منه.. فبمحض الصدفة عدت يومًا لأشاهد ما وقعت عليه عيني في قناتنا الأولى، فإذا بي أرى ما عزفت القناة بسببه.. مسلسل كوميدي سنوي مشهور يدور أحد أبطاله ممسكًا بطنه، ويعتصر ألمًا يبحث عن دورة مياه، وهو يحاول بذلك انتزاع الضحكة من أفواه المشاهدين، يعني (تكفى أضحك).. وهناك برامج أخرى فيها كثير من الابتذال والتوجيه لا تخدم الرأي العام.. فما زالت إعادة طرح الأفكار هي سيد الموقف، سواء من خلال البرامج المباشرة أو ما يدور من حوارات حول قضية ما.. ولا شك أن التلفزيون السعودي يملك كل المقومات والعناصر التي تسمح له بمواكبة أكثر القنوات الشمولية والرائدة.. ولكني لا أجد ما يبرر التوجيه في الطرح، ومحاولة بلورة فكرة ما تدور بخلد المقدم أو المعد منافحًا عنها، مستبسلاً في تلقينها للمشاهد، ومثل هذا يخل بالفكرة حتى وإن كانت صائبة ومستساغة، ويشطط بها عن جادة الطريق إلى قلب وعقل المتلقي، فالمشاهد أكثر إدراكًا للسطور وما بين السطور، ويستطيع اليوم أن يميز الغث من السمين وهو الناقد الأول لكل ما يقدم، وإن كنت لست متخصصًا إلاّ أني أرى أن هناك تحوّلاً ملموسًا في أولويات اهتمام المشاهدين يفرضه واقع الحال.. فأضحت البرامج الوثائقية اليوم أكثر جذبًا وإمتاعًا للمشاهد، بدليل كثرة تلك القنوات وكثرة متابعيها.. والحقيقة وكي أكون منصفًا كان هناك بعض البرامج الممتعة منها برنامج (حلوة يا بلدي)، والذي يعده الأستاذ محمود تراوري ويقدمه محمود صباغ.. -شاهدت هذا البرنامج في قناتنا (الثقافية) الرائدة وهو مأخوذ من القناة السعودية الأولى- برنامج وثائقي تدور فكرته حول رحلة المقدم بين مدن ومحافظات وقرى مملكتنا الحبيبة ليهدينا زهرة من جنة الماضي، وعبقًا زكيًا من شذى الزمن الجميل.. يرسم لنا لوحة من الماضي مطرزة بألوان الحاضر.. وينقل صورة رائعة عن مكونات الماضي يضمن بها واقع الهوية السعودية صورة بها كل أشكال الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمعالم التاريخية، وكل أنواع انثروبيولوجيا الإنسان السعودي النبيل.. هو كحلقة الوصل بين جيل الأجداد والأحفاد.. ما أروع أن نشاهد مثل تلك البرامج التي تعمق الانتماء للأرض، وتعزز مفهوم الوطن والوطنية فمثل تلك البرامج تحتاجها أجيال اليوم كثيرًا.. وحلووووه يا بلدي.