يستمر مهرجان الجاز العالمي في مونتريال بتقديم برامجه اليومية، التي بدأت قبل أيام وتستمر حتى 4 تموز (يوليو) المقبل، ضمن تظاهرة فنية وشعبية قلّما شهدتها المهرجانات السابقة. إذ غصت ساحات المدينة القديمة، وشوارعها المحيطة بموقع المهرجان، بالحشود من داخل كندا وخارجها، سواء لحضور الحفلات المجانية (حوالى 500 حفلة) والتي تقام في الهواء الطلق وغالبية روادها من أبناء الطبقات الشعبية والمتوسطة، أو لمشاهدة العروض المقدَّمة في قاعات فسيحة مغلقة (حوالى 250عرض) ترتادها عادة الفئات الميسورة إذ تراوح تكلفة البطاقة الواحدة ما بين 500 و700 دولار. ووفق تقديرات المنظمين، فمن المتوقع أن يستقبل المهرجان قرابة 3 ملايين زائر، أما المشاركة الفنية فتصل إلى 3 آلاف فنان وفنانة من 30 بلداً، مع العلم أن موسوعة «غينيس» تسجله كأضخم مهرجان للجاز وأهم حدث ثقافي موسيقي تتردد أصداؤه في وسائل الإعلام الكندية والعالمية. وتعود فكرة المهرجان، الذي انطلقت دورته الأولى في عام 1979، إلى ثلاثة فنانين كنديين هم آلان سيمار وأندريه مينارد ودنيس ماكان. والغاية من إقامته، كما يقول سيمار، «كانت ولا تزال استقطاب السياح الأجانب وعمالقة الجاز من مختلف القارات». ولفت منظمو المهرجان إلى أنها المرة الأولى، هذه السنة، التي يتنوع فيها مثل هذا الكم من الآلات والألوان الموسيقية كالهيب هوب والآلت والروك، وإلكترو وفولك وبانك وكلاسيك وبلوز وفانك وسول وبوب وفلامنكو. وتمتزج كل هذه الأنواع أو تتقاطع، في شكل أو في آخر، مع موسيقى الجاز. ويتعاقب على تأديتها مشاهير من عازفي الكمان والباس والكلارينيت والبيانو والأكورديون والغيتار والعود، ومنهم باكو دي لوسيا، عازف الغيتار وأسطورة موسيقى الفلامنكو. إضافة إلى المغني يوسو ندور، نجم موسيقى البوب، وليونارد كوهين، أحد أبرز أعمدة الجاز في العالم، ولا ننسى ليد زبلن، أحد أشهر الأسماء في عالم الروك. أما الحضور العربي في المهرجان، فاقتصر على «سلطان العود» التونسي أنور إبراهيم، الذي يقدم ثلاثة عروض من ألبومه الجديد «رحلة سحر» و «ثمار» و «عيون ريتا»، تتجلى فيها أنغام وألحان طربية صوفية. إضافة إلى عزف يرافق قراءة مختارات من قصائد الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، يعاونه في تأديتها العازفان الكيبيكيان، فرانسوا كوتورييه على البيانو وجان لوي ماتينييه على الأكورديون. ويختتم المهرجان بتوزيع جوائز تقديرية لكبار المشاركين من عمالقة الجاز، تليها حفلة جماهيرية راقصة تؤديها فرقة «مين ويذاوت هاتس» الأميركية، على وقع أغنية «سايفتي دانس». أما وسائل الإعلام الكندية، فأثنى بعضها على تنظيم المهرجان واعتبره «أكبر تظاهرة عالمية للفرح وثروة من الخيال والإبداع»، في حين رأى البعض الآخر أن «موسيقى الجاز بمضامينها الإنسانية ثقافة عابرة للحدود ومناهضة للقهر والظلم والاستبداد»... ولعلها كذلك فعلاً، خصوصاً أنها تمتّعت، بدليل حفلات المهرجان، للم القابلية والمرونة الهائلة على الامتزاج بأنواع موسيقية أخرى لإنتاج جديد يثري الآذان والأرواح معاً.