دفع النمو الاقتصادي السريع في الدول النامية روسيا للاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا، إذ تريد الدخول إلى أسواق غنية جديدة وجذب مستثمرين محتملين. و «الربيع العربي» يصب نظرياً على الأقل في مصلحة روسيا، لأن التغيرات السياسية في بعض الدول أدت إلى إضعاف القيود والعقبات أمام تنمية التجارة، ولدى موسكو فرصة لتعزيز آفاق اقتصادية (مالية) في المنطقة العربية. واستضافت روسيا أخيراً ناشطين بارزين، هما منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، الذي ناقش في ندوة العلاقات التجارية الروسية - العربية، وقمة كازان حول نظام المال والأعمال في الإسلام. وهدف هذان النشاطان تحسين شروط جذب الاستثمارات من منطقة واحدة، لكن بشعارات مختلفة. في بطرسبرغ وفي إطار المنتدى الاقتصادي الدولي، عقدت طاولة مستديرة حول «العلاقات الاقتصادية الروسية - العربية: آفاق التنمية» الذي نظّمه مجلس الأعمال الروسي العربي بالتعاون مع وزارة التنمية الاقتصادية في روسيا، وبمشاركة مسؤولين من بلدان عربية وممثلين عن أوساط الأعمال في المنطقة العربية وروسيا. وناقش الاجتماع وضع العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والعالم العربي، والعقبات التي تواجه الاستثمارات العربية في الاقتصاد الروسي. ويُتوقع أن يصل حجم التجارة هذه السنة إلى 12 بليون دولار، ومع ذلك وعلى رغم التحسن الملحوظ في العلاقات بين روسيا والبلدان العربية، لا يمكن اعتبار هذه الشراكة استراتيجية. وناقش المشاركون انتقال التعاون الاقتصادي إلى مستويات جديدة، وزيادة حجم التجارة الخارجية، وآفاق تعزيز المشاريع الاستثمارية المشتركة، والصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة، ودوره في تنشيط التعاون الاستثماري الروسي العربي. وأشار مدير الصندوق كيريل دميترييف، إلى أن «المهمة الرئيسة للصندوق هي جذب الأموال العربية»، ولم يخف أن موسكو أخذت عند إنشاء الصندوق آراء مستثمرين عرب، وأكد بعضهم الاستعداد للتعاون في الصندوق. وطُرح موضوع إنشاء مصرف روسي - عربي مقره البحرين، واقتراح مقدم من رئيس مجلس الأعمال الروسي - المغربي حسن سنتيس، حول إنشاء مصرف مشترك مقره المغرب، وفي حال تحقق إنشاء هذه المصارف سيكون له تأثير ايجابي في تدفق رؤوس الأموال الروسية الى المنطقة العربية. ورأى عدد من المشاركين، أن المشكلة الرئيسة أمام تطوير التعاون الفاعل هي الفساد المستشري في الاقتصاد الروسي، فضلاً عن جهل روسي بحقائق ممارسة الأعمال وخصوصياتها في المنطقة العربية الذي يولد الخوف لدى بعض المستثمرين المحتملين. ويجيب الجانب الروسي بأن الحكومة تُدرك حقيقة المشكلة وتحاول القضاء عليها، بإجراء تغيير في التشريعات لحماية الأعمال التجارية وزيادة الشفافية. ونُظّم في عاصمة تتارستان المؤتمر الدولي الثالث لنظم المال والأعمال في الإسلام «قمة كازان 2011». واللافت، ولسبب ما، ان مشاركة ممثلي الشركات العربية اقتصرت على منتدى بطرسبرغ من دون كازان، فيما كان قطاع الأعمال الماليزي ممثلاً في شكل جيد جداً، تلته إيران وتركيا وكازاخستان وأذربيجان وبلدان أخرى. ولفت رئيس جمهورية تتارستان رستم مينيخانوف في جلسة الافتتاح، إلى أن عملية التقارب الروسي مع العالم الإسلامي «ناشطة»، مؤكداً أن تتارستان «تملك إمكانات اقتصادية كبيرة للتعاون مع البلدان الرائدة في العالم الإسلامي». لكن يكفي إلقاء نظرة بسيطة على الموقع الرسمي للحكومة التترية لنكتشف أن المستثمر الرئيس في تتارستان هو البلدان الأوروبية. ووُقعت خلال المؤتمر مذكرات تفاهم وعقود للاستثمارات، وأُعلن أن المملكة العربية السعودية تدرس فتح قنصلية في تتارستان. وأشار رئيس هيئة تنمية الاستثمارات فيها لينار ياكوب ل «الحياة»، إلى «عمل كثير يجب القيام به لتعزيز التقارب بين روسيا والعالم والإسلامي»، وأوضح أن «ما أُنجز مهم جداً ونحن انتقلنا من الحديث عن النظريات والأفكار المجردة (في قمة كازان الأولى قبل عامين) إلى مناقشة مشاريع تفصيلية يمكن التعاون فيها خلال العام الجاري». لكن الحديث عن التعاون مع العالم الإسلامي لا يعني بالضرورة البلدان العربية التي لا يزال المستثمرون فيها يتحفظون عن الانخراط في مشاريع روسية. وقال مينيخانوف إن بلاده «تعتزم الاستفادة من الخبرة الماليزية في استخدام آليات النظام المالي الإسلامي، وهو أمر أوضحه ياكوبوف عندما اعتبر ماليزيا «مثالاً رائعاً في تطوير العمل بالنظام المال الإسلامي خلال فترة قصيرة نسبياً، ويُعزى ذلك إلى تماثل نسبة المسلمين وغير المسلمين، كما تُعدّ ماليزيا شريكاً تجارياً يمكن الاعتماد عليه في جمهورية تتارستان». وتؤكد الكلمات الملقاة في النشاطات الاستراتيجية والاستثمارية، أن لدى روسيا إمكانات كبيرة في تطوير النظام المالي الإسلامي. وتبقى المشاكل المعروفة في المناخ الاستثماري في البلاد، كالفساد والتربح وعدم توافر المعلومات حول روسيا، وتخلف النظام الضريبي ونقص الكوادر المؤهلة، فضلاً عن مشاكل تتعلق بتطبيق النظام المالي الإسلامي، وتفرق المتخصصين، ونقص الخبرة العملية، وسلبية المواطنين الروس تجاه أي مصطلح مقرون بكلمة «إسلامي». يُضاف إلى ذلك، عدم الاهتمام الكافي بالنظام المالي الإسلامي بين المسلمين أنفسهم، وهو ما أشار إليه البرفوسور هيميون دار (بريطانيا)». وغاب ممثلو المصارف الروسية عن النشاط، وكذلك وزارة الاقتصاد والتنمية ومصلحة الضرائب. وأوضح ياكوبوف في تصريح الى «الحياة»، أن الدعوات «أُرسلت إلى هذه المؤسسات لحضور المؤتمر»، مستغرباً هذا الغياب». واعتبر أن «السؤال يبقى مطروحاً، خصوصاً أنه يلقي ظلالاً حول جدية التعامل مع الشعارات المرفوعة في روسيا حول ضرورة تعزيز التواصل مع العالمين العربي والإسلامي تجارياً واقتصادياً وجذب استثمارات منهما إلى روسيا». وأضاف أن «ما يثير الدهشة أكثر، هو عدم إدراج فقرات تتعلق باستخدامات النظام المالي الإسلامي في المشروع الاستراتيجي المطروح بقوة حالياً والهادف إلى تأسيس مركز مالي دولي في روسيا الاتحادية». سؤال يبدو طرحه منطقياً، إذا كانت روسيا تعتزم بالفعل التوجه شرقاً، وإذا كانت مهتمة حقاً بالمستثمر الشرقي وبتطوير النظام المالي الإسلامي فيها.