أنت في دبي، أبوظبي، الرياض، جدة، الكويت، المنامة أو أي من عواصم ومدن الشرق الأوسط... تتطلع للاتصال والتجوال في العالم. دافعك الدراسة أو التجارة أو السياحة وغيرها. أول ما تتطلع فإلى جهة الغرب حيث الكثير مما يستهويك ويرضي رغباتك وطموحاتك. وكذلك الحال عندما تتجه إلى شرق آسيا. ويأتي توجهك نحو الغرب عموماً بفعل قوة الإعلام الأوروبي وآلة الإعلان عن المدن وأماكن السياحة فيه والتي باتت تشكل جزءاً من الوعي الإنساني وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. فيما بات الشرق الأقصى يأخذ دوره في التأثير في حركة وتوجهات منطقتنا بفعل قوة الاقتصاد وأغراض أخرى كثيرة بينها السياحة. ولكن بين هذا وذاك مناطق كثيرة في العالم ما زالت مجهولة للكثيرين منا، من بينها دول وسط آسيا التي كانت وما زالت تجد لها في أذهاننا موقعاً يتصل بالفتوحات الإسلامية أو الحقبة السوفياتية التي طبعت هذه المنطقة بطابعها المغلق، وتحاول منذ بداية التسعينات الانعتاق عن تلك الفترة بكل أبعادها، لتأخذ هويتها المستقلة بما تحمله من بعد تاريخي وثقافي. وقد استطاع بعضها أن يجد طريقه إلى أن يكون رقماً مهماً في كل المجالات ومن بينها السياحة. وفي مقدمة هذه الدول التي بدأت تأخذ طريقها إلى خريطة العالم السياسية والاقتصادية والسياحية تأتي كازاخستان بمساحتها التي تزيد عن 7. 2 مليون كيلومتر مربع لتحتل المرتبة التاسعة على مستوى العالم، وتزيد على مجموع مساحة بقية جمهوريات رابطة الدول المستقلة مجتمعة فيما عدا روسيا. ويسود هذه البلاد مناخ يتراوح فيه متوسط درجات الحرارة شتاء بين 15 درجة مئوية و35 درجة تحت الصفر، أما الأقاليم الجنوبية فتتراوح بين الصفر و20 درجة تحت الصفر، وفي تموز (يوليو) يكون متوسط الحرارة بين 27 درجة فوق الصفر في الشمال و34 درجة مئوية في الجنوب. وعلى رغم أن كازاخستان تضم العديد من التضاريس إلا أنها في الأساس هضبة منبسطة تشكل المنخفضات أكثر من ثلث مساحة الدولة، وهذا ما يفسر سر وجود البحيرات العديدة فيها. أما الأقاليم الجبلية فتشكل 20 في المئة من المساحة الإجمالية. وأهم المدن والموانئ في كازاخستان تبرز مدينة آستانة وهي العاصمة الجديدة، ويبلغ عدد سكانها فقط 500 ألف نسمة. ثم مدينة ألماآتة العاصمة القديمة التي أصبحت من أهم المدن التجارية والاقتصادية والمالية، ومدينة كاراجاندي وتقع وسط كازاخستان وهي أكبر المدن، وهناك مدينة شيمكنت التي تقع جنوب البلاد وتوجد فيها مصفاة لتكرير النفط ويبلغ عدد سكانها 450 ألف نسمة وهي قريبة من العاصمة الأوزباكستانية طشقند. ألماآتة استطاعت آستانة أن تأخذ لقب العاصمة رسمياً، غير أنها لم تستطع أن تأخذ من ألماآتة بعدها التاريخي والثقافي. والأكثر من ذلك بقيت هذه المدينة تحتفظ بكونها العاصة الاقتصادية لكازاخستان وتتطلع إلى أن تكون مدينة مهمة على طريق الحرير الذي بدأ إحياءه مجدداً ضمن المعادلات الجديدة للاقتصاد العالمي. على بعد أربع ساعات من الطيران عن دبي تنقلك «إير آستانة» إلى ألماآتة لتجد نفسك في شباط (فبراير) وسط مطارها البسيط وقد أحاطت به وبالمدينة سلسلة من الجبال التي تغطيها الثلوج بطبقات كثيفة لا تستطيع حرارة الشمس الساطعة فعل شيء معها لمحو آثارها عن المدينة وشوارعها وحدائقها، بل تزيدها رونقاً وجمالاً. فالمدينة ترتفع نحو ألف متر عن سطح البحر وتحيط بها سلاسل جبلية ذات قمم تتراوح بين 3200 و4500 متر. لتشكل المدينة مع القمم التي تحيط بها جوهرة طبيعية وصورة رسمتها الطبيعة بكل ألوانها ويطغى عليها في كثير من فصول السنة اللون الأبيض ولكنه لا يستطيع أن يخفي ما في داخلها من حرارة استقبال أهلها ومناطقها السياحية التي تضج بالناس بل بآلاف منهم. وهي تتطلع إلى أن تفتح ذراعيها للسياح من الخليج والشرق الأوسط وأوروبا إضافة إلى آسيا التي هي جزء منها. وإذا كانت كل رحلة سياحية هي نتيجة لمجموعة من الظروف والعوامل التي تجعلك تزور هذه المدينة أو تلك، فقد تجمعت لنا ظروف جيدة قادتني مع مجموعة من الصحافيين لزيارة ألماآتة، فكانت لنا رحلة إلى جوهرة السياحة في كازاخستان! فما أن حطت الطائرة في مطارها القريب من المدينة، وبعد إجراءات الجوازات التي نرى أنها في حاجة إلى مزيد من المرونة، وجدنا أنفسنا أمام ترحيب ينسيك فوراً إجراءات المطار. فأنت أمام مستقبليك من فندق ريتز كارلتون– ألماآتة الذين نقلوا إليك صورة استقبال دافئ على رغم برودة الطقس التي تدنت دون درجة التجمد، وأمام وسيلة نقل حديثة ومريحة لتنقلك إلى هذا الفندق. وما هي إلا دقائق حتى كنا أمام بناء في وسط المدينة هو الأعلى بين أبنيتها. ونسأل ما هو هذا المبنى؟ فيأتي جواب المرافقة اللطيفة: إنه مبنى ريتز كارلتون– ألماآتة الذي سنحط فيه الرحال طوال فترة الإقامة في هذه المدينة الجميلة. إطلالة على جبال شيمبولاك يتميز فندق ريتز كارلتون– ألماآتة بموقعه في منطقة استجمام بالقرب من برج ألماآتة، وقمة كوك توبي للنزهات العائلية، وجبال شيمبولاك الشاهقة الارتفاع. ويقع الفندق ذو مستوى الخمسة نجوم عَلى سفح الجبال. ويتكون من 145 غرفة وجناحاً وفيه ملعب تنس ومركز للأعمال وتراس للتشمُّس. ويمتزج فيه التصميم الشرقي والمرافق الحديثة. ويستمتع الضيوف بموقعه المثالي، إذ لا يبعد كثيراً عن المتاحف ودار الأوبرا والبرج والمعارض ومراكز الأعمال. ويبتعد مركز المدينة نحو 5 كلم عن الفندق. وما هو إلا وقت قصير على وصولنا حتى كنا على عشاء أقامة جان جوكتاش مدير عام الفندق في مطعم «فيزتا» المميز. ودار حديث تمحور حول اهتمامه بالسياح الخليجيين وخطته لهذا العام في جذب العائلات الخليجية لقضاء عطلات الربيع والصيف مع أطفالهم. وكان أعضاء الوفد السياحي الخليجي في شوق للتعرف إلى جوهرة السياحة في كازاخستان. وكان لنا هذا من خلال برنامج أعده فريق الفندق شمل جولة للتعرف على أهم المعالم السياحية التي تشتهر بها المدينة الأكثر تميزاً في وسط آسيا بإمكاناتها السياحية المثيرة للبهجة. وفي حالة من الترقب والحذر من البرد الذي سيواجهنا حينما أخبرتنا مرافقتنا أننا سنتوجه في الساعات الأولى من جولتنا السياحية في هذه المدينة لقضاء بعض الوقت في منتجعات التزلج على الجليد، توجهنا إلى حلبة ميديو للتزلج على الجليد الواقعة في الضواحي الشرقية لممارسة نشاط التزلج على أعلى حلبة تزلج في العالم. وسرعان ما تأسرك طبيعة هذه الجبال الخلابة، حيث يمكنك أن تمارس رياضتك الشتوية المفضلة، فيما تعتبر ميديو حلبة التزلج الأولمبية الأكبر في العالم، وتقع على ارتفاع 1700 متر فوق مستوى سطح البحر، وبالقرب منها سد ميديو الذي يرتفع نحو كيلومترين عن سطح الأرض. غداء من لحم الخيل! وبعد تناول الغداء في مطعم «كازاك أوي» وكان عبارة عن طبق من لحم الخيل مع المقبلات والحلويات التقليدية، ووسط حالة من الرفض «الضمني وغير المعلن لأكل لحم الخيل»، قالت لنا مرشدة الرحلة إن لحم الخيل يقدم عادة للضيوف في مناسبات الأعراس والاحتفالات وللاحتفاء بالزوار. وهذا ما دفعنا إلى تجربة أكل لحم الخيل، ليبقى هذا الفعل ذكرى لن تمحى من ذائقتنا قبل ذاكرتنا بعد أن غيرنا فكرتنا عن هذا اللحم. عقب استراحة قصيرة في حضن الجبل المغطى بالثلوج من كل الأرجاء، صعدنا بالتلفريك إلى قمة جبال شيمبولاك التي ترتفع إلى 3200 متر فوق سطح البحر لنشاهد أطول ممرات للتزلج في القارة الأوروبية والآسيوية على الإطلاق، والتي تضاهي أهم وأشهر مناطق التزلج في العالم وخصوصاً في أوروبا والتي سبق أن كان لنا حظ التعرف عليها. في وسط المدينة في اليوم الثاني قادتنا مرافقتنا إلى المتحف الوطني وسط المدينة والمتنزه وكاتدرائية زنكوف ذات القبة الملونة. وتعرف ساحة بانفيلوفتسيف بالشعلة الخالدة لأن نارها ما زالت موقدة منذ عقود تكريماً للجنود الكازاخ الذين استشهدوا في الحرب العالمية الثانية، فيما يزورها السكان من مختلف المناطق لوضع الزهور، تحديداً في نهاية كل عام دراسي. وإلى جانب «الشعلة الخالدة» تتربع كاتدرائية زنكوف القديمة التي تمثل عبقرية في البناء، فهي مبنية بالخشب من دون استعمال مسامير، ومشيدة منذ القرن التاسع عشر. وقد أحسنت مرافقتنا حين قادتنا إلى قمة جبل كوك- تيبيه، أعلى نقطة في ألماآتة بواسطة التلفريك. واستمتع الجميع بالتسوق في البازار الصغير فوق القمة الجبلية المغطاة بالثلوج تماماً وسط حرارة الجو التي كانت تتراوح بين 10 و15 درجة تحت الصفر. وتقودنا الجولة في وسط المدينة إلى مبانٍ عمرانية فارهة وشوارع واسعة ومناظر خلابة وحدائق رائعة بخاصة في فصل الربيع وفصل الخريف، بالإضافة إلى المسارح والمتاحف والمعارض الفنية ودور السينما والمولات التجارية والمقاهي والمطاعم والترفيهية. وبالطبع لم تغفل المدينة عن توفير مجالات المتعة للعائلات من السائحين، ففي ألماآتة سيرك يفتح أبوابه طول العام، كما تتوافر حدائق ومراكز لهو للأطفال. وكانت المتعة التي لا تنسى في زيارة بحيرة ألماآتة الكبرى التي تعتبر أحد أهم معالم المنطقة والتي تحتضنها جبال الأتاو الشاهقة بعلو يصل إلى 4 آلاف متر فوق سطح البحر. اللافت في هذه البحيرة لونها الذي يتغير بتغير المواسم، حيث تكون ناصعة البياض في الشتاء، وتتحول إلى الزمرد في الربيع، أما في الصيف فتستوحي لونها من السماء ليصبح أزرق فيروزياً. السباحة فيها ممنوعة وكذلك يمنع صيد السمك لأنها تزود مدينة ألماآتة بمياه الشرب. وقادتنا الجولة إلى مركز «إيسنتاي» الفاخر المتصل بفندق ريتز كارلتون- ألماآتة. وهو بصراحة عنوان الفخامة في المدينة التي تشبه إلى حدّ كبير المدن الأوروبية، وذلك بفضل شوارعها والمقاهي الأنيقة والمطاعم والمحال المنتشرة فيها. كما تتمتّع بمناظر طبيعية خلابة من البحيرات والمناطق الجبلية. ويتوافر أمام محبّي التنزّه في الهواء الطلق باقة واسعة من المسارات التي تمتدّ إلى مسافات طويلة، بما في ذلك مسار يمتدّ حول جبال زاليسكي ألاتو في جنوب ألماآتة ومن بحيرة ألماآتة الكبرى.