يربط النظام السياسي العربي باستمرار ما بين ما يسميه «الإصلاح»، بمفهومه طبعاً، وبين ضمان الاستقرار بمفهومه أيضاً. وعلى ذلك أصبح للنظام العربي، بصورة عامة مجاله التداولي الخاص في ما يتعلق بالاستقرار. الاستقرار عند معظم الأنظمة العربية يحمل مفهوماً سكونياً في الحياة السياسية والإعلامية يحقق لها مصالحها. والخروج من هذا السكون يشكل تهديداً للاستقرار الذي بات نوعاً من الاستبداد لدى بعض الأنظمة العربية، بمعنى الهيمنة الكلية والشمولية على مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية، وعلى وسائل الإعلام بتفرعاتها. المؤسف في عالمنا العربي أننا لا نزال نتحدث عن خيار الاستقرار بوصفه المطلب الشعبي الوحيد، ونغيّب الخيارات الأخرى التي تعطي للاستقرار معناه الحقيقي والشرعي، فالاستقرار يعني في حقيقته قدرة المؤسسات السياسية والقانونية على القيام بعملها بالرغم من تبدل الأشخاص القائمين عليها. لا شك في أن هذه المؤسسات بحاجة إلى بيئة مستقرة حتى تنمو وتنتج كي تمارس عملها وفقاً لديناميتها الخاصة، وهذه لا توجد في ظل سيطرة شخصية وديكتاتورية مطلقة، وبوجود كادر بيروقراطي متنفع وغير كفوء، بل توجد في ظل حراك إداري وسياسي دائم يسعى لإنضاج التجربة المؤسساتية عبر الحفاظ على حيويتها وضخ الدماء الجديدة داخلها باستمرار. نعمة الاستقرار التي تمن معظم الأنظمة العربية على شعوبها بها تصبح مهددة إذا رحلت هذه السلطات، ولا تعود إلا بعودتها أو استمرار بقائها. إنه المنطق الذي يقوم على صيغة «لا أريكم إلا ما أرى». ويبدو هذا مرشحاً مع الأسف للتكرار في كثير من الأنظمة العربية. تكاد تبدو معظم السلطات العربية وكأنها بحاجة إلى ما يشبه الاستقرار الدائم حتى تنجز تغييراً ديموقراطياً حقيقياً. وبما أنه لن يحصل بحكم قيام الكون على نظرية الفوضى المتميزة، لذلك لن نشهد تغييراً حقيقياً تقوم به السلطات العربية من ذاتها إلا ما ندر. التغيير الحقيقي بات في كثير من الأحيان، مع الأسف، استجابة لضغوط دولية وخارجية. وأقصى ما تفعله هذه السلطات أن تراوغ كي تستبعد لحظة الاستجابة الحقيقية للاستحقاقات السياسية والاجتماعية. كلمة لا بد منها، وهي أن الإصلاح قبل أن يكون مسؤولية الأنظمة السياسية الحاكمة يفترض أن يكون عصب التفكير والاهتمام الأساسيين للمثقفين العرب في أطروحاتهم ومقولاتهم. لا يمكن إنجاز الإصلاح من دون إصلاحيين حقيقيين يخلقون مناخاً مؤهلاً وبنية كفيلة بنمو الإصلاح. وهذا لن يتحقق من دون رؤى وأفكار قابلة للتنفيذ حول مسار الإصلاح ومجالاته وأولويات تنفيذه. * كاتب فلسطيني