عثر فريق بحثي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن على أعماق جديدة في مناطق عدة في البحر الأحمر، يبلغ عمقها 2482 م من بينها منطقة «نيرياس» في الشمال، ويسعى لتوثيق هذه المناطق. كما اكتشف أيضاً منطقة فريدة تزيد درجة الحرارة فيها على 70 درجة مئوية، وتتميز بمستوى ملوحة مرتفع جداً. ويقوم قسم الدراسات البحرية التابع لمركز البيئة والمياه، في معهد البحوث بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بتكليف من شركة أرامكو السعودية، بدرس وتقويم النصف الشمالي من البحر الأحمر، وتعتزم الشركة إجراء أنشطة تنقيب وحفر لاستخراج النفط والغاز من المياه السطحية والعميقة. وذكر مدير قسم الدراسات البحرية في البحر الأحمر الدكتور محمد قربان، أن باحثي الجامعة لديهم مهمتان رئيستان في البحر الأحمر: الأولى تقويم أثر عمليات الحفر والتنقيب في البحر الأحمر على البيئة البحرية، والثانية تصميم نماذج وبرامج محاكاة لتوقع تأثيرات الحوادث واتجاهات التسرب في حال حدوثه، بالتعاون مع شركات عالمية ومحلية. تتميز البيئات البحرية بحساسية شديدة تجاه أية تغييرات في طبيعتها، ولذلك فإن القيام بأي نشاط بشري في البيئات البحرية من دون درس يؤدي إلى أضرار فادحة، ومع ذلك فإن البيئات البحرية في المملكة تعرضت طوال أعوام عدة لأنشطة غير مدروسة، أهمها عمليات الردم التي تحدث على طول السواحل السعودية سواءً في الخليج العربي أم البحر الأحمر. وشدد على أن أي مشروع في البحر يتطلب وجود دراسة بيئية لتقويم التأثيرات البيئية لعمليات التنقيب، لذلك يقوم مركز الدراسات البحرية بدراسة كاملة للتأكد من أن عمليات الحفر في مياه البحر الأحمر لا تسبب أضراراً بالبيئة البحرية. وأضاف أن هذه الدراسات تتطلب تحديد جميع العناصر الموجودة في الموقع، مثل المعادن الثقيلة والهايدروكاربونات، ومستوى جميع العناصر الكيماوية في التربة وفي عمود الماء. وأضاف «عند حدوث حالات تسرب فإن لدينا دراية تامة بالمنطقة، وتوقعاً دقيقاً باتجاه بقع الزيت، وبالتالي نستطيع القيام بالإجراءات المناسبة في حال الحوادث، وتجنب الكوارث البيئية التي يمكن حدوثها». وقال: «العمل مستمر في هذا المشروع الضخم، ويتم التعاون فيه مع جهات أجنبية، وقد قام الفريق البحثي باستئجار سفينة متخصصة في الأبحاث البحرية من معهد أبحاث يوناني متخصص». وأوضح أن البحر الأحمر يتميز بطبيعة مختلفة عن الخليج العربي، فمعدل العمق يتجاوز 500م بينما يبلغ معدل العمق في مياه الخليج 35 متراً فقط، وأشار إلى أن الدراسات تتناول حقولاً في مياه ضحلة يصل عمقها 100م فقط وأخرى تصل إلى 1000م. وحول خطوات الدرس، ذكر الدكتور قربان أن الفريق يقوم أولاً بتحديد أبعاد الدرس، إذ يبلغ قطر موقع الدرس 5 كلم، ثم يتم درس المنطقة كيماوياً وبيولوجياً وجيولوجياً، كما تغطي الدراسات الشواطئ القريبة التي يمكن أن تتأثر بما يحدث في الموقع. وأضاف أن الدراسة الكيماوية تهتم بجميع المركبات الكيماوية الموجودة والمعادن الثقيلة والهايدروكاربونات، كما يتم رصد الملوثات. أما في الدراسة البيولوجية فيتم إعداد خريطة بيولوجية متكاملة توضح البيئات الموجودة في الموقع. وفي الدراسات الجيولوجية نقوم بدراسة التربة ونوعيتها وحجم الحبيبات، وتعطي طبيعة التربة تصوراً عن كمية الأتربة المتطايرة والعوالق أثناء الحفر واتجاهاتها، وتتضمن الدراسات الجيولوجية أيضاً التيارات البحرية والعوامل المؤثرة بها. وقال «استخدمنا أجهزة عدة لقياس التيارات البحرية في الخليج العربي ولكننا لم نستطع الاستفادة منها في البحر الأحمر لأننا نحتاج إلى أجهزة تعطي تصورًا للتيارات على أعماق تتجاوز 1000م، ولذلك اضطررنا لإحضار جهاز من اليونان متخصص في قياس تيارات الأعماق السحيقة». وأكد قربان نجاح المشاريع البحثية رغم الصعوبات. وقال «واجهتنا مشكلات في الحصول على التصاريح اللازمة للقيام بالأنشطة البحثية، كما واجهتنا مشكلات لوجستية، ولكننا لم نواجه أية عقبة علمية، لأن الفريق كان يعمل بتفان كما كان حريصاً على العمل ومتجانساً ومهتماً بسلامة البيئة البحرية». ومن الصعوبات التي واجهت الفريق التسابق مع الوقت لأن كلفة السفينة المستأجرة تتجاوز 20 ألف دولار في اليوم لذلك واصل الفريق العمل من دون إجازات. وأوضح أن جامعة الملك فهد وبدعم كبير من وزارة التعليم العالي في صدد امتلاك السفينة البحثية السعودية الأولى، التي يبلغ طولها 50 مترًا، وسيتم تزويدها بأحدث التقنيات، وشدد أن وجود هذه السفينة سيكون مؤثرًا في كمية الأبحاث البحرية في المملكة ونوعها.