المجتمع الصيني يغلي. تتكرر «الحوادث الجماهيرية»- وهو الاسم الرمزي المستخدم في وسائل الاعلام الرسمية للاشارة الى الاضطرابات وغيرها من التعبيرات عن غضب سكان لا يملكون غالبا من وسائل التعبير غير العنف الجمعي- تكرارا مدهشا في الفترة الاخيرة. ما من شيء مدهش في ألا يكون السكان في حالة عطالة كاملة في بلد يقارب عدد سكانه من مليار ونصف مليار انسان يعيشون تحولات سريعة وعميقة على النحو الذي تشهده الصين منذ ثلاثين عاما. بل أن ذلك مطمئن. لكن اتساع وكثافة ما يعاد تسميته ب»الحوادث الجماهيرية» يطرحان سؤالا آخر يتعلق بحدود النموذج الصيني. ويبرز تضافر للظروف التوترات في داخل المجتمع الصيني. لقد جذبت متطلبات النمو ملايين العمال المهاجرين نحو المدن، «حثالة بروليتاريا» عصرية بشروط معيشة غاية في الصعوبة: هؤلاء هم من يغذي الحشود الأولى «للحوادث الجماهيرية». وأنتج ظهور طبقة وسطى تضم شبانا مدنيين على مستوى علمي جيد، فئة من السكان مطلعة اطلاعا واسعا على الامور من خلال الانترنت، التي يتضاءل تحمل متابعيها لانعدام المساواة والفساد والثروات المكونة بوسائل مريبة والممارسات البوليسية. ويهتم الشبان هؤلاء بنوعية الحياة والبيئة والملكية الخاصة والامن الغذائي. وتبرز أكثر فأكثر الآثار المخربة للنموذج الصيني المثير- الديْن المخبأ واندفاعة التضخم: ومع ارتفاع مؤشر اسعار السلع الاستهلاكية بمعدل 5.5 في المئة في أيار (مايو) الماضي، بلغ التضخم أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات. وإلى الضغط الاقتصادي-الاجتماعي هذا، يضاف سببان لتوتر سياسي قوي: ابعاد تجديد أكثر من نصف قيادة الحزب الشيوعي بمن فيها الرئيس هو جينتاو ورئيس الوزراء ون جياوباو في 2012، ورياح الاحتجاج التي ينفخها «الربيع العربي» المحمل بتهديدات من القوة الى الحد الذي جعل جهاز القمع الصيني يفكر بحذف كلمة «ياسمين» من محركات البحث على الانترنت. الملفت للاهتمام في تصاعد التوتر الحالي هو تظهيره وتوضيحه خط الانقسام بين معسكرين، محافظ واصلاحي. وبدا ان الاول قد انتهز الفرصة مع اعتقال عدد كبير من المعارضين من بينهم الفنان آي ويوي، وموجة من القمع الواسع النطاق. وتكرار وقوع «الحوادث الجماهيرية»، أظهر أن ذلك لم يحل شيئا. لكن الاصلاحيين يرفعون رؤوسهم. ويحل جيل جديد من المرشحين الى الانتخابات المحلية أكثرهم من الصحافيين الشبان مكان المحامين المستقلين الذين جرى تحييدهم، ويحاول المرشحون فتح ثغرة جديدة عبر مقاربة قانونية وباستخدام النظام ذاته بغية اصلاح النموذج الصيني والسماح له بالعمل. ولديهم الشجاعة وحليف قوي: موقع «ويبو» المعادل الصيني لموقع «تويتر». وينبغي تمني النجاح لهم، من اجل مصلحة الصين ومصلحة باقي العالم. * افتتاحية، عن «لوموند» الفرنسية، 15/6/2011، إعداد حسام عيتاني