قال الرئيس بشار الأسد إن الحوار الوطني «عنوان المرحلة الحالية» بحيث يبحث مؤتمر الحوار الوطني المقرر عقده في الأسابيع المقبلة حزمة القوانين المتعلقة بالأحزاب والانتخابات والإدارة المحلية وصولاً إلى «واقع سياسي جديد» سيقود إلى «تحولات عميقة، الأمر الذي سيؤدي إلى إعادة النظر بالكثير من قواعد العمل السياسي في البلاد ويستدعي بالتالي إجراء مراجعة للدستور سواء لتعديل بعض مواده أو إقرار دستور جديد». ودعا الأسد الذين ذهبوا من أهالي جسر الشغور والقرى المحيطة بها إلى تركيا «كي يعودوا إلى جسر الشغور وقراهم مباشرة»، لافتاً إلى أن «الجيش موجود من أجل أمنهم ومن أجل أمن أبنائهم». وكان الأسد يتحدث في خطاب ألقاه امس على مدرج جامعة دمشق. ووصفت مصادر مطلعة ل «الحياة» الخطاب بأنه «متكامل وشامل»، مشيرة إلى أن هيئة الحوار الوطني ستجتمع اليوم (الثلثاء) برئاسة نائب الرئيس فاروق الشرع لبحث أمور عدة بينها اقتراح موعد للقاء التشاوري في الأسبوع المقبل، بحيث تدعى اكثر من مئة شخصية وطنية سورية لوضع أسس وعناوين وآليات مؤتمر الحوار الوطني. وعلم أن لقاءات غير رسمية عقدت الأسبوع الماضي بين شخصيات معارضة وأعضاء في هيئة الحوار. وقال الأسد في خطابه إن «أياماً صعبة مرت علينا دفعنا فيها ثمناً كبيراً من أمننا واستقرارنا من خلال محنة غير مألوفة خيمت على بلدنا أدت إلى حالات من الاضطراب والخيبة بفعل حوادث شغب وأعمال قتل وترويع للمواطنين وتخريب للممتلكات العامة والخاصة تخللت الاحتجاجات الشعبية سقط خلالها أعداد من الشهداء سواء من المواطنين أم من رجال الأمن والشرطة والقوات المسلحة وجرحت أعداد كبيرة أخرى وكانت خسارة كبيرة لأهلهم وذويهم وخسارة كبرى للوطن، ولي شخصياً كانت خسارة ثقيلة». وزاد :»البعض يقول إنه لا توجد مؤامرة. وهذا الكلام غير موضوعي ليس بالنسبة للأزمة وإنما بالنسبة للظروف والتاريخ أو السياق التاريخي لسورية. فماذا نقول عن المواقف السياسية الخارجية الفاقعة بضغطها على سورية وبمحاولات التدخل في الشأن الداخلي ليس حرصاً على المواطن السوري وإنما من أجل الوصول إلى ثمن معروف مسبقاً؟ وماذا نقول عن هذه المواقف السياسية؟ وماذا نقول عن الضغط الإعلامي؟ وماذا نقول عن الهواتف المتطورة التي بدأنا نجدها في سورية تنتشر بين أيدي المخربين؟». وتابع الأسد أن «المؤامرات كالجراثيم لا يمكن إبادتها ... إنما يجب أن تقوي المناعة في أجسادنا...لا اعتقد أن سورية مرت بمراحل لم تكن فيها هدفاً لمؤامرات مختلفة قبل أو بعد الاستقلال». وركز الأسد على الوضع الداخلي، مميزاً بين «ثلاثة مكونات»: «الأول، هو صاحب حاجة أو مطلب يريد من الدولة تلبيتها له وهذا واجب من واجبات الدولة تجاه مواطنيها»، لافتاً إلى أن هذا «مكون وطني كل المطالب التي سمعتها أو التي طرحت تحت سقف الوطن لا يوجد أجندات خارجية ولا ارتباطات خارجية وهم ضد أي تدخل خارجي تحت أي عنوان، هم يريدون المشاركة وعدم التهميش والعدالة». وأشار إلى أن «هناك أشياء متراكمة منذ 3 عقود منذ مرحلة الصدام مع «الإخوان المسلمين»، تلك المرحلة السوداء في الثمانينات ما زال البعض من أجيال جديدة تدفع ثمن تلك المرحلة: عدم توظيف وعدم إعطاء موافقات أمنية لقضايا مختلفة». وفي هذا المجال، تطرق إلى موضوع العفو العام الذي صدر قبل أسابيع وكان الأشمل منذ 23 سنة، لافتاً إلى انه سيطلب من وزارة العدل تقديم دراسة لتوسيعه «دون أن يضر مصلحة وأمن الدولة» وحقوق المواطنين الخاصة. وزاد الأسد أن»المكون الثاني» يضم «عدداً من الخارجين على القانون والمطلوبين للعدالة بقضايا جنائية مختلفة وجدوا في مؤسسات الدولة خصماً وهدفاً لأنها عقبة في وجه مصالحهم غير المشروعة ولأنهم مطاردون من قبل أجهزتها. فالفوضى بالنسبة لهؤلاء فرصة ذهبية لا بد من اقتناصها من أجل بقائهم طلقاء وتعزيز أعمالهم غير القانونية»، لافتاً إلى أن عددهم كان في بداية الأزمة اكثر من 64 ألف شخص بينهم 24 ألفاً محكومون بالسجن اكثر من ثلاث سنوات. ورأى أن «المكون الثالث» في الشارع هو «الأكثر خطورة بالرغم من صغر حجمه وهو يمثل أصحاب الفكر المتطرف والتكفيري. هذا الفكر الذي اختبرناه وعرفناه منذ عقود عندما حاول التسلل إلى سورية واستطاعت أن تتخلص منه بوعي شعبها وحكمته». وإذ اكد الرئيس السوري أن «الحوار الوطني بات عنوان المرحلة الحالية»، أشار إلى أن هيئة الحوار «لا تحاور، بل تشرف على الحوار». وزاد:»مدة الحوار شهر أو شهران وفق ما يرى المشاركون في الجلسة التشاورية». وبعدما تطرق إلى أن «المطالب الملحة للشعب» بوشر بتنفيذها وشملت رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة وقانون تنظيم حق التظاهر السلمي، قال :»كان لدى البعض تساؤلات حول موضوع التوقيف الذي استمر بعد رفع حالة الطوارئ ... المضمون هو أن أي عملية اعتقال تتم من خلال إذن من النائب العام هناك مدة محددة للتحقيق ... أما بالجرم المشهود فلا يكون هناك إذن ويلقى القبض على الشخص وتتابع الإجراءات نفسها بإذن من النائب العام.. ولكن رفع حالة الطوارئ لا يعني خرق القانون وهذه النقطة التي يجب أن نعرفها. رفع حالة الطوارئ لا يتعلق بالعقوبات ومضمون العقوبات». وأكد الأسد أن تشكيل لجنة لصوغ قانون للأحزاب «خطوة أساسية في مجال التطوير السياسي وتوسيع الحياة الديمقراطية. وإن قانوناً جديداً للأحزاب يغني التعددية الحزبية ويفسح المجال أمام مشاركة أوسع للتيارات المختلفة»، لافتاً إلى أن حزمة القوانين المذكورة ستؤدي إلى «واقع سياسي جديد» في البلاد وستقود إلى «تحولات عميقة على مستوى الحراك السياسي والنشاط الجماهيري، الأمر الذي سيؤدي إلى إعادة النظر بالكثير من قواعد العمل السياسي في البلاد ويستدعي بالتالي إجراء مراجعة للدستور سواء لتعديل بعض مواده أو لإقرار دستور جديد يواكب المتغيرات». وأكد الأسد أن «عملية الإصلاح بالنسبة لنا هي قناعة كاملة ومطلقة لأنها تمثل مصلحة الوطن ولأنها تعبر عن رغبة الشعب. والأهم من ذلك لا يوجد من يعارض الإصلاح». وزاد أن القول انه على الرئيس أن يقود عملية الإصلاح «لا يعني أن يقوم الرئيس باستبدال الشعب ويقوم وحده بعملية الإصلاح. والقيادة لا تعني أن يقف الإنسان وحده وإنما أن يكون في المقدمة. فإذا هو يسير في الأمام والناس تسير معه، وهذه القيادة عملية تشاور وتفاعل». وإذ اكد مجدداً أهمية الحوار الوطني إزاء مشاريع القوانين المطروحة والإجابة عن الكثير من التساؤلات: «هل نصدر قوانين الأحزاب والانتخابات قبل انتخابات مجلس الشعب المقبل؟ هل نريد أن نؤجل مجلس الشعب 3 أشهر كما يطرح البعض أم لا نؤجله؟ بالنسبة لنا معظم هذه الأسئلة لا نريد أن نتبنى جواباً لها وقد نكون حياديين كدولة، والمهم هو الإجماع الشعبي». وتناول أيضاً موضوع الدستور :»هل نبدل بضع مواد من الدستور بما فيها المادة الثامنة (وتنص على أن حزب البعث القائد في المجتمع والدولة) أم نبدل كل الدستور؟»، موضحاً:»إذا كان هناك تعديل بعض المواد فلا بد من مجلس شعب. وإذا كان المطلوب تغيير الدستور كاملاً فهو بحاجة لاستفتاء شعبي». وزاد أن انتخابات مجلس الشعب «إن لم تؤجل فستكون في آب (أغسطس). ونستطيع أن نقول إننا قادرون على إنجاز هذه الحزمة (القوانين) حتى نهاية آب لنقل أول أيلول (سبتمبر). أما الدستور فالموضوع مختلف لأنه في حاجة لمجلس شعب فإذا انتخب مجلس الشعب الجديد في آب فيستطيع أن يبدأ مباشرة بدراسة التعديلات بالنسبة للدستور وإذا تم تأجيله وفق قرار الحوار الوطني ثلاثة اشهر، كل هذه الحزمة تنتهي قبل نهاية العام أي خلال 5 أشهر. أما إذا كنا نريد مراجعة كل الدستور ووضع دستور جديد فالعملية مختلفة تماماً عندها يكون هناك هيئة تأسيسية وتقوم بطرح الدستور على الاستفتاء الشعبي. لكن ما سنقوم به الآن مباشرة هو تشكيل لجنة لإعداد دراسة بكل الأحوال لموضوع الدستور ونعطيها مهلة شهر وأعتقد أنها تكفي وتطرح الدراسة على الحوار الوطني». وبعدما أشار إلى تساؤل البعض:» هل الحل سياسي أم أمني؟» وإلى قول البعض:»الحل الأمني فشل، فإذن، على الدولة أن تسير باتجاه الحل السياسي»، أوضح أن المشكلة بشكل أساسي هي مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية «لكن ما يحدد طريقة الحل ليس فقط وجهة نظر الدولة إنما طبيعة المشكلة. نحن لم نحدد أن يكون هناك. لم نرغب أو لم نفرض وجود مخربين. المخربون نتعامل معهم سياسياً؟ هذا الكلام غير موضوعي. لا يوجد حل سياسي مع من يحمل السلاح ويقتل». وزاد :»نرغب في الحل السياسي ونتمنى أن يعود الجيش إلى ثكناته بأقصى سرعة ونتمنى أن يعود عناصر الأمن إلى مكاتبهم وأبنيتهم ومواقعهم أيضاً بأقصى سرعة والشيء الطبيعي أن يتعامل مع المواطن جهاز الشرطة والقضاء، علاقة المواطن ليست مع الجيش ولا مع الأمن بل مع الشرطة ومع القضاء». وزاد :»نريد من (الشعب) دعم الإصلاح وهذا بديهي لأن الشعب هو يطالب بالإصلاح فمن الطبيعي أن يدعم الإصلاح ولكن دعم الإصلاح يكون بالعزل ما بين الإصلاحيين الحقيقيين وما بين المخربين ... أما الآن فلدينا جيش موجود، ريثما يعود هذا الجيش إلى ثكناته فعلينا أن نساند هذا الجيش ونطلب منه المساعدة في كل مكان فأبناء هذا الجيش هم أخوة لكل مواطن سوري والجيش دائماً هو الشرف وهو الكرامة».