تختلف النظرة إلى وظيفة «المعلم» من مجتمع إلى آخر، فهي في البيئات المتحضرة مهنة راقية يحظى فيها صاحبها بالتقدير والتوقير والتبجيل والاحترام، فالمعلم في تلك المجتمعات يحظى بمكانة حادي الركب الذي تسير القافلة على هداه. وتأتي هذه النظرة إيماناً بأن سلاح التعليم يفوق أسلحة المال والنفوذ والسلطان. وأن المستقبل ملك أيدي من «يعرفون» أكثر... لا من «يملكون» أكثر! إن المعلم «بئر» من آبار المعرفة التي ينزع منها الطلاب وينهل منها الواردون، وهذا يفترض عليه أن يتفرغ للعلم والتحصيل، والتدريب المستمر، وهذا يتطلب حداً أدنى من الغنى والكفاف لا توفره المجتمعات الغافلة عن أثر التعليم في بناء المستقبل، والمعلم الذي يبحث عن مصدرٍ للرزق بعيداً عن مقاعد الدرس يفقد كثيراً كفاءته، ويفرط كثيراً في رسالته، وقد يكون مضطراً... لكن الذي يدفع الثمن هو المجتمع بأسره. والمعلم «منارة» من منارات التربية والتوجيه، تهتدي بنوره الشعوب، وتسترشد بضيائه الأمم، حين تتحرر العقول على يديه من أسر الجهل إلى آفاق لا تحدها حدود، ومن هنا ندرك كيف أن التربوي اللاتيني العظيم (باول فريري) يقدم في كتابه «المعلمون بناة ثقافة» رسالة واضحة ومباشرة إلى أولئك الذين يتجاسرون على اتخاذ التدريس مهنة. وهنالك يدعو رفاقه التربويين إلى الصمود في ظل أزمة المعلمين وتدني أوضاعهم إلى الاستمرار في (التدريس) إلى أطول مدة ممكنة تحت الظروف القاسية من (رواتب) متدنية، وافتقاد الاحترام، والخطر الجاثم دائماً بأننا فريسة للساخرين، ويقول: «علينا أن نتجاسر لكي نتجاسر؛ على رفض بيروقراطية العقل التي نتعرض لها كل يوم، علينا أن نتجاسر من أجل أن نواصل التجاسر حتى لو كان عدم التجاسر أكثر نفعاً من الناحية المادية». وكان بعضهم يندب حظه العاثر؛ فيقول: رُويدَكَ لا تأسف ولا تتَنَدَّمِ إذا أنكرَ الجُهَّالُ فَضلَ المعلِّمِ أرى الدهرَ قد ساوى جهولاً وعالماً وما نالَ أهلُ العِلمِ أيسَرَ مَغنم هكذا يرى المعلم نفسه... أو هكذا يريد المعلم أن يراه من حوله! فكيف يراه على وجه الحقيقة من حوله؟! * كاتب تربوي.