واصلت قوات النظام السوري، متسلّحةً بدعم روسي، تضييق الخناق أمس على فصائل المعارضة في آخر معاقلها قرب دمشق، مصعِدةً هجومها البري المكثف الذي يهدف إلى شطر الغوطة الشرقية. وبعد ساعات من رفض المعارضة عرض مغادرة مسلحي الفصائل وعائلاتهم، تعهّدت روسيا «إبادة» المسلحين الذي يواصلون القتال في الغوطة، مخيرةً إياهم بين الاستسلام أو مواجهة الموت. وأعرب مجلس الأمن، خلال جلسة مغلقة عقدها مساء أمس بطلب من فرنسا وبريطانيا، عن القلق إزاء الوضع الإنساني في سورية، ودعا الى تطبيق قراره وقف النار. وأبلغ المبعوث الخاص الى سورية ستيفان دي ميستورا المجلس أن إخراج مقاتلي التنظيمات المصنّفة إرهابية من الغوطة الشرقية سيسرّع في الحد من معاناة المدنيين، مشيراً الى ضرورة «عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبت في حلب الشرقية» حيث أدى إرجاء إخراج مقاتلي الجبهة الى «تدمير كامل وخسائر بشرية كبيرة». وأشار في المداخلة التي قدمها عبر الفيديو من جنيف، الى أن هدنة الساعات الخمس «لن تكون كافية لإيصال المساعدات، نظراً الى العدد الكبير من السكان في الغوطة الشرقية»، مؤكداً أن الأممالمتحدة «مستعدة لإرسال المساعدات» حالما يسمح الوضع الأمني بذلك. كما أشار الى البيان المشترك للمجموعات المقاتلة في الغوطة الشرقية عن استعدادها للتقيد بقرار مجلس الأمن الرقم 2401 وإخراج مقاتلي النصرة والقاعدة. سياسياً، قال دي ميستورا إنه يسعى مع الدول الضامنة لأستانة الموافقة على إنشاء «سكرتيريا دائمة» في جنيف الى متابعة «القضايا الدائمة في المفاوضات، كمسألة المعتقلين وسواها»، وأنه يأمل بأن يكون هذا البند جزءاً من البيان المقبل لاجتماع أستانة. وقبل اجتماع مجلس الأمن، قال السفير الفرنسي لدى الأممالمتحدة فرنسوا ديلاتر، في إشارة إلى روسيا وإيران: «من الملحّ مواصلة الضغوط على من يملك تأثيراً على النظام السوري». من جانبه، قال ديبلوماسي من بلد آخر رافضاً كشف اسمه، إن هناك «إحباطاً شديداً» في مجلس الأمن، مشيراً إلى أن دولة واحدة فقط، هي روسيا، لا تنفذ القرار الذي يطالب بوقف النار. وأضاف أن بعد الغوطة «ستكون إدلب طبعاً النقطة التالية» لتركيزه. وتزامناً مع الجلسة المغلقة لمجلس الأمن، دافعت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عن استهداف قوات النظام الغوطة، معتبرةً أنه «لا يتناقض مع نص القرار 2401، بما أن البند الثاني منه يشير بوضوح إلى أن وقف الأعمال القتالية لا يشمل العمليات ضد داعش والقاعدة وجبهة النصرة». وشددت على دعم القوات الروسية العملية، مشيرةً إلى إن «المسلحين الذين يواصلون القتال وممارسة العمليات الإرهابية عرضة للإبادة». في المقابل، أعلن الناطق باسم «جيش الإسلام»، أكبر فصائل الغوطة، حمزة بيرقدار أن «فصائل الغوطة ومقاتليها وأهلها متمسكون بأرضهم وسيدافعون عنها»، فيما أكد الناطق باسم «فيلق الرحمن» وائل علوان أنه «لا يوجد أي تواصل مع الروس، مباشر أم غير مباشر. ولا توجد محادثات عن الهدنة ولا المعابر». وأعلن الناطق باسم المركز الروسي للمصالحة في سورية الجنرال فلاديمير زولوتوخين، أنه حتى اللحظة، لم يُسجل خروج أي مدنيين من الغوطة في إطار هدنة ال5 ساعات اليومية، التي دخلت حيز التنفيذ في التاسعة صباح أمس. على صعيد الاتصالات السياسية، وفي وقت أكدت زاخاروفا أن الجانب الأميركي استلم طلباً الجمعة الماضي لترتيب موعد بين وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف وريكس تيلرسون، وأن موسكو لم تتسلّم رداً حتى الآن، أعلن مصدر في مكتب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه اتفق ونظيره الإيراني حسن روحاني أمس، على الإسراع بجهود تنفيذ وقف النار في منطقة الغوطة الشرقية. وأضاف أن الزعيمين أكدا أهمية أن تبذل تركياوروسيا وإيران جهوداً مشتركة لتنفيذ وقف النار. وكان أردوغان أجرى أيضاً اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الثلثاء. وقال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن خلال مؤتمر صحافي أمس، إن الرئيسين بحثا خلال المكالمة الإجراءات اللازمة للتوصل إلى وقف فعلي للنار في الغوطة، وفتح ممرات إنسانية وسبل إخراج جبهة النصرة من الغوطة، من أجل «نزع الذريعة من يد النظام السوري الذي يتحجج بتلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية لمهاجمة الغوطة». وفي فيلم وثائقي عرضته قناة حكومية بعنوان «النظام العالمي 2018»، دافع بوتين عن تدخل بلاده عسكرياً في سورية، نافياً أن يكون القرار اتُخذ «لأننا قررنا التباهي بالأسلحة أو عرض قوتنا». وقال إن «موسكو انطلقت من معلومات تملكها عن وجود أكثر من ألفي روسي في صفوف تنظيمي داعش والنصرة ونحو 4500 من بلدان آسيا الوسطى، التي لا تملك نظام تأشيرة مع روسيا». وأوضح: «لو لم تضرب روسيا الإرهابيين، ولم تساهم في إعادة بناء هياكل الدولة السورية، لكانت العواقب سيئة للغاية»، محذراً من أن «انهيار الدولة في سورية محفوف بإنشاء بؤرة إرهابية كبيرة لعقود طويلة آتية». ميدانياً، أرسلت قوات النظام 700 عنصر على الأقل، بينهم مسلحون أفغان وفلسطينيون موالون له، إلى جبهات الغوطة، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فيما اتهم المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة الأمير زيد رعد بن الحسين أمس، النظام السوري بالتخطيط لما يشبه «نهاية العالم» في بلاده، مشدداً على أن الأزمة دخلت «مرحلة رعب» جديدة. وانتشر المقاتلون على جبهات الريحان، شمال شرقي الغوطة الشرقية، وفي بلدة حرستا الواقعة غربها، والتي يحاول النظام التقدم منها باتجاه مدينة دوما.