تختبر سورية اليوم تجربة جديدة لوقف النار بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة المسلحة، بعد تجارب عدة سابقة سرعان ما كانت تنتهي بالفشل. وإذا كانت روسيا هي الطرف «الثابت» في الاتفاقات السابقة والحالية، فإن الطرف «المتغيّر» فيها كان هذه المرة هو الأميركي الذي غاب دوره كلّياً وحلّ محله التركي بوصفه «ضامناً» لالتزام المعارضة السورية وقف النار، مقابل «ضمان» موسكو التزام حكومة دمشق وحلفائها السير في وقف النار المفترض أنه بدأ منتصف ليل أمس (الخميس - الجمعة). واتفقت حكومة دمشقوأنقرة على اعتبار الاتفاق «فرصة» لبدء عملية الحل السياسي. (للمزيد) وإضافة إلى الأميركيين المنشغلين بانتقال السلطة من باراك أوباما إلى خلفه دونالد ترامب والذين سارعوا إلى إعلان ترحيبهم بالاتفاق واعتباره «تطوراً إيجابياً»، لوحظ غياب دور عربي مباشر في المفاوضات. كما لوحظ أن رعاية الاتفاق انحصرت بالروس والأتراك، في ظل غياب إيراني، من دون أن يتضح هل طهران موافقة كلياً على الصيغة النهائية لوقف النار. وجاء ذلك بعد موافقة روسيا على شمول الاتفاق مناطق تنشط فيها جماعات مسلحة كانت طهران وحكومة دمشق تحاولان استثناءها من أي هدنة، وتحديداً في الغوطة الشرقية حيث ينشط «جيش الإسلام». وبما أن اتفاق الهدنة يمنع أي طرف من تحقيق تقدم ميداني خلال فترة سريانه، فهناك من سيعتبر ذلك نكسة لإيران التي كانت تدفع باتجاه مواصلة العمليات العسكرية بعد «الانتصار» الذي تحقق في مدينة حلب. وفي حين قال الجيش السوري إن وقف النار لا يشمل «داعش» و «جبهة النصرة»، أكد أسامة أبو زيد، المتحدث باسم «الجيش الحر»، أن مناطق سيطرة «داعش» فقط هي المستثناة. غير أن وزارة الخارجية التركية قالت إن وقف النار لا يشمل «داعش» والجماعات المصنّفة «إرهابية» وفق قرارات مجلس الأمن، ما ينطبق على «النصرة». غير أن هناك من سيجد مخرجاً لهذه الجماعة بالقول إنها لم تعد موجودة منذ فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة» وتغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام» الصيف الماضي. وتقول الولاياتالمتحدة إن لا فرق بين «النصرة» و «فتح الشام»، لكن من غير الواضح قانونياً هل يسري هذا التفسير أيضاً على مجلس الأمن. وأعلن الرئيس فلاديمير بوتين في كلمة خلال اجتماعه أمس مع وزيري الدفاع سيرغي شويغو والخارجية سيرغي لافروف، إن فصائل المعارضة والحكومة السورية وقّعتا عدداً من الوثائق تشمل اتفاقاً لوقف النار يبدأ سريانه منتصف ليل 29 - 30 كانون الأول (ديسمبر). وأشار إلى توقيع ثلاث وثائق تتعلق بوقف النار وبإجراءات مراقبته والاستعداد لبدء محادثات السلام في آستانة (عاصمة كازاخستان) لحل الأزمة. وأضاف أن روسيا وافقت على «الحد» من انتشارها العسكري في سورية، فيما قال شويغو إن مجموعات تمثل 62 ألف مسلح وقّعت اتفاق وقف النار وهي «أبرز قوات المعارضة المسلحة». وقال الكرملين أمس، إن بوتين بحث مواضيع من بينها الوضع في سورية خلال اتصالات هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فيما قالت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، إن سفارة روسيا في دمشق أصيبت بقذيفة مورتر بعد ظهر أمس، بعدما كانت أصيبت بقذيفتين الأربعاء. وقالت الوزارة إن الهجمات «استفزاز» يهدف إلى إفشال التسوية السلمية. كما قال الكرملين إن بوتين اتفق مع الرئيس بشار الأسد، في اتصال هاتفي، على أن محادثات آستانة ستكون «خطوة مهمة من أجل الحل النهائي للأزمة» السورية، ناقلاً عن الرئيس السوري تأكيده أن قواته ستلتزم وقف النار. واعتبر أردوغان، في مؤتمر صحافي بعد الظهر، أن اتفاق وقف النار يمثّل «فرصة تاريخية» لا تجب أضاعتها لإنهاء الحرب في سورية، في تصريحات بدت مماثلة لتصريحات صدرت عن الحكومة السورية التي قال وزير خارجيتها وليد المعلم في مقابلة مع التلفزيون الرسمي إن هناك بالفعل «فرصة حقيقية» لتسوية سياسية في البلاد. إلى ذلك، قال أسامة أبو زيد، الناطق باسم الفصائل السورية، في أنقرة أمس، إن الموقعين على اتفاق وقف النار سيلتزمون الاشتراك في مفاوضات الحل السياسي خلال شهر، وفق «بيان جنيف» للعام 2012 الذي يتحدث عن هيئة حكم انتقالية، متمسكاً بأن الرئيس بشار الأسد لن يكون له دور في مستقبل سورية. وأشار إلى أن الاتفاق ينص على هدنة تشمل كل الفصائل الموجودة في مناطق المعارضة، على أن يتم استثناء كل من تنظيم «داعش» وحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، خصم أنقرة. في غضون ذلك، قالت جماعات كردية سورية وحلفاؤها أمس إنهم أقروا خطة لإقامة نظام حكم اتحادي في شمال سورية. ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول إنه تم إقرار مسودة الخطة التي تعرف باسم «العقد الاجتماعي» وإن لجنة تنفيذية ستجهّز لإجراء انتخابات للإدارات الإقليمية أولاً ثم لهيئة مركزية لاحقاً.