الجمعة الماضية كانت جمعة العشائر، وقبلها كانت جمعة الحرائر. المفارقة هي أن الاسم الذي كان مقترحاً لهذه الجمعة هو: جمعة الدولة المدنية، والفارق واضح بين التسميتين، والمؤشّر أوضح. مقترح الدولة المدنية كان من بعض لجان التنسيق التي تلعب دوراً أساسياً في الداخل، وتسمية جمعة العشائر جاءت من موقع على النت يرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، ويتابع من الخارج، هو موقع الثورة السورية ضد بشار، والذي كان قد سمّى جمعة سابقة بجمعة الحرائر. ولهذا التحديد أهمية لأنه يوضح الفارق بين الثورة ومغزاها، وما يرتّب البعض، بالتواشج مع أجهزة إعلامية (وأساسها قناة «الجزيرة») لمستقبل سورية. لكن ما يبدو أن الأمور قد وصلت إلى النهاية، وبالتالي لا بد من «قطف ثمار» الثورة، لدى هذه القوى، ما يؤثر سلباً في الثورة ذاتها، ويؤخر انتصارها، حيث إن إعطاء الثورة طابعاً طائفياً أو عشائرياً هو المكمل لمنطق السلطة التي تدفع الى تحويل الصراع إلى صراع طائفي بدل أن يكون صراع الشعب ضد السلطة التي تدافع عن مافيات نهبت وتحكمت في الاقتصاد وأفقرت معظم قطاعات المجتمع. الشباب الذي يقاتل من أجل التغيير يريد العمل والحياة الأفضل والدولة المدنية. وقد رفع شعارات واضحة في هذا المجال، منها شعار لا سلفية ولا إخوان، والثورة ثورة شباب، والشعب السوري واحد (أي ليس مكونات)، حتى وهو يستخدم بعض الكلمات الدينية التي هي ثقافته بعدما جرى تدمير كل الثقافة السياسية. وهذا الأمر هو الذي فرض اقتراح أن يكون شعار الدولة المدنية مؤشراً على أحد أهداف الثورة، وفي الوقت ذاته كتوضيح لمن لا يريد الفهم أن الشباب يرفض الدولة الدينية، وأنه يطمح بدولة مدنية. وهذا الشباب هو الذي يقتحم الصراع ضد آلة القتل، وهو يعرف أنه يمكن أن يستشهد في أي لحظة. فهو يريد التغيير بعدما وصل إلى أن لا بديل عن التغيير. وبالتالي فهو الذي يقرر، وهو المعني بتحديد الشعارات والأهداف والخطوات، فهو الذي يقاتل على الأرض. وقد أظهر هامشية كل القوى السياسية، التي تدّعي أنها القوة الأكبر، والتي تعرف حجمها. وهو في ثورته أظهر عقم هذه القوى وفشلها الطويل الأمد. لكن منذ البدء كان هناك من يريد الركوب. ووجدنا أن قوى في الخارج بدأت تسيطر على الإعلام، وتؤسس المواقع التي تدّعي أنها تمثل الثورة السورية، ويخرج بعض ممثليها على الفضائيات بكلام طائفي سخيف، وتهويش لا يخدم أحداً. ثم انتقلت الأمور خطوة نحو ترتيب «بديل» عن السلطة في الخارج، يضم القوى الأصولية والعشائر وبعض الليبراليين الذين لا يعرفون التمييز بين المدني والعشائري والطائفي (إنطاليا وبروكسل). وعلى رغم أنها تراجعت عن طرح موضوع المجلس الوطني الانتقالي وكتابة دستور جديد، فإن الدور الذي تلعبه هو هذا بالتحديد. على كل، من حق أي أحد أن يحاول الركوب، كما من حقنا أن نكشف ذلك. لكن لا بد من مواجهة هذا الخطاب الأصولي المتخلف، الذي يجعل الثورة سهلة المنال من جانب النظام والمترددين لأنه يعطيها طابعاً طائفياً متخلفاً. ومن ثم لا بد من توضيح أن هذا الخطاب هو خطاب خارجي، لا علاقة له بالثورة. القوى التي في الخارج تعمل على فرض إيقاع الثورة، وتساعدها على ذلك علاقاتها الخارجية والترابط الإعلامي الداعم لها. لكنها في كل ذلك تؤخر الانتصار وتزيد عدد الشهداء، حيث إن سياساتها تؤدي إلى استمرار تردد قطاعات مجتمعية هي مهمة في حسم الصراع، والى تشويش لدى النخب أكثر مما هي مشوشة، وتشويش عربي عام يعطي النظام ميزات. لهذا يجب القول بكل وضوح إن موقع الثورة السورية ضد بشار لا يمثل الثورة، وهو موقع طائفي ويخدم قوى رفضتها الثورة من خلال شعاراتها. وأن أي حراك في الخارج يجب أن يقوم على دعم الثورة في الداخل إعلامياً ومعنوياً فقط، ولا يحق له التواصل مع دول إمبريالية ولا ادعاء تمثيل أي أحد في الداخل، وليس هو من يحدد البديل من هذا النظام. * كاتب سوري