بعد مخاض عسير، أقر البرلمان العراقي أمس قانون الموازنة العامة لسنة 2018، منهياً أشهراً من الخلافات على معظم فقرات القانون، خصوصاً مخصصات «الحشد الشعبي» والمحافظات المنتجة للنفط، في وقت قاطع النواب الكرد الجلسة للمرة الثانية احتجاجاً على خفض حصة الإقليم من 17 في المئة إلى 12,6 في المئة، مهددين بمقاطعة العملية السياسية. وفي الجلسة نفسها، صوّت البرلمان على قانون الانتخابات المحلية الذي شمل للمرة الأولى منذ عام 2003 محافظة كركوك المتنازع عليها. وبلغت النفقات العامة في الموازنة 88 بليون دولار، والعجز 11 بليون دولار، يُغطى من القروض الداخلية والخارجية. وهنأ رئيس الوزراء حيدر العبادي في بيان، بإقرار الموازنة، معتبراً ذلك نتيجة تعاون الحكومة والبرلمان، ما أكده أيضاً رئيس البرلمان سليم الجبوري ومعظم القوى السياسية السنية والشيعية، فيما اعتبرت القوى الكردية أن الموازنة تُمثل تنصل الحكومة العراقية من التزاماتها للشعب الكردي. وأكد رئيس البرلمان في مؤتمر صحافي عقب الجلسة، أن «مطالب الكرد ضُمنت في الموازنة وتمت معالجتها، خصوصاً في ما يتعلق برواتب موظفي الإقليم والرعاية الاجتماعية... ورواتب قوات البيشمركة، والتزام الحكومة الاتحادية ذلك»، علماً أنها المرة الأولى التي تتعهد فيها الحكومة دفع رواتب البيشمركة. ولم تُصدر حكومة إقليم كردستان حتى مساء أمس موقفاً من الموازنة، فيما لا يُتوقع أن يكون انسحاب القوى الكردية من البرلمان مؤثراً قبل أسابيع من نهاية الدورة البرلمانية برمتها، وبدء السباق الانتخابي لاقتراع البرلمان العراقي. ولكن وفق القيادات الكردية، ستبقى الخيارات مفتوحة، إذ تحدّث بعض النواب عن احتمال اللجوء إلى المحكمة الاتحادية لإعادة حصة الإقليم من الموازنة. وقالت النائب الكردية أشواق الجاف: «قاطعنا التصويت، وهناك اقتراحات بالانسحاب من العملية السياسية في العراق تماماً بعد الظلم الذي تعرض له إقليم كردستان». كما انتقدت النائب عن التحالف الكردستاني نجيبة نجيب في مؤتمر صحافي الموازنة، قائلة إن «العبادي خالف الدستور والاتفاقات السياسية لتشكيل الحكومة... عندما تسلّم السلطة كانت هناك وثيقة سياسية صادقنا عليها داخل البرلمان، وبالتالي أصبحت ملزمة للحكومة». وتابعت: «الوثيقة تضمنت مسائل عدة كان العبادي ملزماً تنفيذها، منها رواتب البيشمركة»، مستدركة: «بعد مضي أربع سنوات في السلطة، خالف المواد الدستورية 14 و50، ولم يراع مصالح الشعب الكردستاني». كما طالب النائب سيروان سيريني رئيس الجمهورية وقادة الإقليم بمقاطعة العملية السياسية والانتخابات المقبلة، وعقد مؤتمر دولي لإيجاد نموذج آخر للحكم في العراق، بعد ما وصفه ب «المواقف الخطيرة» والإصرار على تمرير الموازنة بصيغتها الحالية. وأضاف: «ما جرى في مجلس النواب هو إصرار على تهميش الأكراد وعزلهم عن القرار السياسي ودفعهم إلى خيارات أخرى مفتوحة الأبعاد للوقوف والرد على هذه الأعمال المخالفة للدستور والشراكة الوطنية والاتفاقات المتعارف عليها منذ العقد الأخير في حصة الإقليم في الموازنة». وكشفت لجنة المال عن أبرز ما تضمنته موزانة 2018 من مواد بعد إقرارها، وقال رئيس اللجنة محمد تميم الجبوري في مؤتمر صحافي مشترك مع أعضاء اللجنة: «بعد جهد كبير، أُقرت الموازنة الاتحادية للدولة العراقية، والتي ستعالج مشكلات المحافظات المنتجة للنفط والمحافظات المحررة والشهداء والمفصولين، كما أنها رفعت الاستقطاع من رواتب الموظفين، بالإضافة إلى معالجة العديد من التفاصيل، مثل رفض رفع الضريبة على بيع العقارات لأكثر من 10 في المئة، ومنح المواطنين إجازة السنوات الخمس». وأضاف: «أُرجئ صرف قروض الفلاحين المستحقة 3 سنوات ومنح من تضررت منازلهم قروضاً يمتد سدادها إلى عشر سنوات» بموجب اتفاق مع رئيس الوزراء. وأشارت عضو لجنة المال النائب ماجدة التميمي إلى «زيادة تخصيصات ذوي الإعاقة والجرحى وخفض الضرائب من 10 إلى 5 في المئة، وإلغاء استقطاع رواتب الموظفين». ووفق وكالة «فرانس برس»، حددت الموازنة خمس سيارات لكل من رؤساء الهيئات الرئاسية الثلاث، وذلك عصراً للنفقات. وأكدت المادة 26 من الموازنة ضغط النفقات وخفض المبالغ المخصصة للوقود وصيانة السيارات المستخدمة، وحددت خمس سيارات لرئيس الوزراء، ومثلها لرئيسي الجمهورية والبرلمان، كما حددت أربع سيارات لكل من نائبي رئيس مجلس النواب، وثلاث سيارات للوزير أو من بدرجته، وسيارتين لكل من وكلاء الوزارة. ويحظى المسؤولون العراقيون عادة بمواكب كبيرة تضم عشرات السيارات. ولا يجيز قانون الموازنة «استخدام السيارة التي في ذمة الموظف في مواكب المسؤولين أو لخدماتهم وتعاد السيارات التي يزيد عددها على العدد المحدد، ويتم بيعها وفق قانون بيع وإيجار أموال الدولة». على صعيد آخر، أقرّ البرلمان أيضاً قانون الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) المقررة في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، بما في ذلك انتخابات كركوك المتنازع عليها بين العرب والتركمان والأكراد. وقال النائب شاخوان عبدالله عن نواب كركوك الأكراد في مؤتمر صحافي: «نتمنى أن يكون هذا القانون بادرة خير، وأن تنتهي عسكرة كركوك قبل الشهر الأخير من العام الحالي». وأضاف أن من الضروري تطبيع الأوضاع في كركوك والعودة إلى ما قبل 16 تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2017»، وهو تاريخ سيطرة القوات الاتحادية على المحافظة بعد الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان.