كل ما يحوله أيُّ وافد الى بلده الذي أتى منه أو الى غيره من البلدان، يرفع الطلب على عملات الدول التي تدفقت إليها التحويلات. فمثلاً إذا حوَّل البنغاليون العاملون في السعودية جزءاً من أجورهم، سواء كان التحويل بالريال السعودي أو بالدولار أو غيرهما من العملات، فإن تحويلاتهم تؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة احتياطيات بنك بنغلاديش المركزي من العملات الأجنبية، فالمستفيدون من تحويلات العملة البنغالية التي تأتي من خارج بنغلاديش إلى ذويهم في داخلها، يُودعونها في المصارف المحلية لتحويل ما وصل من تحويلات بعملات أجنبية إلى «التاكا» أو العملة البنغالية. وتحويلات العمالة الوافدة، ومن كافة الجنسيات من العاملين في السعودية، تؤدي - أياً كانت العملة المحوّلة اليها - إلى خفض موجودات البنك المركزي السعودي (مؤسسة النقد) من العملات الأجنبية. وحتى لو تم التحويل بالريال وعن طريق مصرف سعودي في الخارج، فإما أن يتم تحويل الريالات إلى عملات أجنبية أو تبقى ريالات تمثل ديناً على السلطات النقدية السعودية متى ما أراد صاحبها تحويلها إلى عملات أخرى. وهذا كله يقودنا إلى دور ما يسمى «ميزان المدفوعات». وما قد يعانيه ميزان مدفوعات دولة ما من عجز، يؤدي إلى خفض قيمة عملتها إذا استمر العجز لسنوات، وما قد تتمتع به دولة من فائض يؤدي استمرار وجوده إلى رفع قيمة عملتها. كيف؟ لتغيرات مستوى قيم العملات ارتباط شبه مباشر بما يسمى «ميزان المدفوعات». ونبدأ مناقشة هذا الأمر بالإشارة إلى أن ميزان المدفوعات يعبر عن الفرق بين مجموع ما تستحقه دولة من دول العالم وبين مجموع ما هو عليها لبقية هذه الدول... أي الفرق بين ما لها من حقوق وما عليها من ديون، فإن كان لها أكثر مما عليها، قيل إن ميزان مدفوعاتها يعبِّر عن فائض، وإن كان عليها أكثر مما لها قيل إنها تواجه عجزاً في ميزان مدفوعاتها. إذاً، العجز يعني أن هذه الدولة مدينة لبقية دول العالم ولا بد لها من وفاء هذا الدين... ولكن كيف يتم لها ذلك؟ تفي الدولة بما عليها من ديون ببيع عملتها وشراء عملات الدول الدائنة لها، وذلك يعني زيادة في عرض عملتها وزيادة في الطلب على عملات الدول الدائنة، وينتج عن ذلك انخفاض قيمة عملة الدولة المدينة بالنسبة الى عملات الدول الدائنة في الخارج. أما الفائض في ميزان المدفوعات، فيعني أن الدول المدينة بحاجة إلى سداد ما عليها من ديون لهذه الدولة الدائنة، ولذلك لا بد لهذه الدول من الحصول على عملة الدولة الدائنة، وهذا من شأنه زيادة الطلب على عملة تلك الدولة، فتنخفض كمية المعروض منها في الداخل، مما يقلل نسبة التضخم، ومما يزيد من الطلب في الخارج عليها مما يرفع من قيمتها وقوتها الشرائية. ولو أخذنا مثلاً علاقة الولاياتالمتحدة التجارية بالصين، نجد أن ما للصين لدى أميركا أكثر مما عليها. أي أن أميركا تعاني من عجز والصين تتمتع بفائض. ولكن لا العجز ولا الفائض يمكن أن يستمرا. ولذلك تلجأ الصين لتحقيق التوازن المحاسبي المؤقت بشراء سندات الخزانة الأميركية. وتدفع قيمة السندات الأميركية بالدولارات التي تأتيها عن طريق بيع صادراتها من السلع. وهذا يؤدي إلى زيادة المعروض من الدولارات. وزيادة المعروض من دون زيادة حالية او متوقعة في الطلب في المستقبل، تؤدي إلى انخفاض السعر، أي انخفاض قيمة الدولار. أما الصين، فتحتال لمنع تأثير فائض ميزان مدفوعاتها، بتثبيت قيمة عملتها أو سعر صرف عملتها إلى عملات أجنبية، عن طريق تثبيتها بسعر أقل بكثير من قيمة عملتها الحقيقية التي يقضي بها صافي الفرق بين ما لها وما عليها. وهي تفعل ذلك بالدرجة الأولى حتى لا ترتفع قيمة عملتها نسبة إلى بقية العملات، ولذلك تمنع ارتفاع قيمتها الشرائية. فلو ارتفعت قيمة عملتها الشرائية لارتفعت أسعار صادراتها ولقلَّت تدفقات الاستثمارات الأجنبية في داخلها. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي.