في المقال الماضي سلطنا الضوء على خلق النقود وكيفيته وعلاقته بالتضخم في أسعار السلع والخدمات وارتباط قدرة الحكومات على خلق النقود بحجم الاقتصاد والانتاج وليس باحتياطي الدولة من الذهب مثلا. وفي هذا المقال سنتكلم عن سعر صرف العملة مقابل العملات الأخرى وعلاقته بالتبادل التجاري بين الدول وعلاقته بإنتاجية الدول، خاصة الإنتاج الصناعي. هناك تشابه كبير بين آليات خلق النقود وتأثيرها على التضخم وبين سعر الصرف والتبادل التجاري بين الدول، فسعر صرف العملة يتأثر بشكل مباشر على حجم الطلب العالمي على تلك العملة، وحجم الطلب على العملة يعتمد على حجم إنتاج الدولة وما تصدره للعالم، فعندما تنتج اليابان سيارة وتبيعها لأوروبا بمائة ألف يورو، فهي تعلم أنها تستطيع استخدام المائة ألف يورو في شراء منتجات أخرى من الدول الأوروبية توازي قيمتها قيمة السيارة التي باعتها، هناك تشابه كبير بين آليات خلق النقود وتأثيرها على التضخم وبين سعر الصرف والتبادل التجاري بين الدول، فسعر صرف العملة يتأثر بشكل مباشر على حجم الطلب العالمي على تلك العملة، وحجم الطلب على العملة يعتمد على حجم إنتاج الدولة وما تصدره للعالم فعندما ترتفع طاقة الدولة الانتاجية وبالتالي قدرتها على تقديم منتجات ذات قيمة يرغب بشرائها العالم فإن ذلك يعني أنها قادرة على شراء المزيد من العالم أيضا وهذا ينعكس مباشرة على قيمة العملة أمام بقية العملات، فعلى افتراض أن كمية النقود من عملة معينة ثابتة لم تتغير، ولكن قدرة الدولة الإنتاجية ارتفعت وبدأت بتصدير مزيد من السلع أو الخدمات فإن العالم سيكون أكثر رغبة بشراء هذه العملة، لأنها عملة يمكن تحويلها لمنتجات ذات قيمة، وبذلك يرتفع سعر صرف العملة، وبالمؤشرات الاقتصادية يمكن قراءة هذه الحالة من خلال ميزان الحساب الجاري أو الميزان التجاري الذي يقيس الفارق بين حجم الصادرات والواردات، فإذا كان حجم الصادرات أكبر فهذا يعني أن هناك فائضا تجاريا، أما إذا كان حجم الواردات أكبر من الصادرات فهذا يعني أن هناك عجزا تجاريا. في الحالات الطبيعية فإن العجز التجاري المستمر سيؤدي إلى ضعف العملة وبالتالي انخفاض سعر صرفها أمام بقية العملات، لأن الاستمرار في استيراد سلع وخدمات أكثر مما تصدره الدولة سيعني زيادة وفرة عملة تلك الدولة في دول العالم وبالتالي هذه الوفرة –بناء على قوانين العرض والطلب– ستؤدي لانخفاض قيمتها أمام بقية العملات. والعكس صحيح، فعندما يكون هناك فائض تجاري مستمر فإن السوق يدفع بتلك العملة للارتفاع. فكما هو الحال مع طباعة النقود للاستخدام المحلي التي ترفع التضخم، فإن زيادة عرض النقود واستخدامها لاستيراد السلع سيضعف من العملة وبالتالي ترتفع أسعار الاستيراد. في المقالات القادمة سنتحدث عن تأثير ارتفاع العملة على الاقتصادات بشكل أكثر تفصيلا وكيف يتم تثبيت العملات وما هو تأثير هذه القرارات الاقتصادية. [email protected]