لم تُقنع عبارة «الفن من أجل الفن»، يوماً، الخطّاط السوري منير الشعراني، لأنه يعتبر أن اللوحة من دون رسالة لا تساوي شيئاً، وعبارة محي الدين ابن عربي «كل فن لا يُفيد علماً لا يعوّل عليه» هي الشعار الذي يعمل وفقه حتى اللحظة. ويرى أن الفن إذا كان معزولاً عن الحياة اليومية، فإنه يتحوّل إلى فعل سطحي. لذلك، حمل الشعراني مشروع تخرّجه في كلية الفنون الجميلة الدمشقية (1977) عنوان «القمع والتسلّط العسكري»، وعرض فيه صوراً لمكبّلين ومعتقلين ولأحذية عسكرية... ما دفع إدارة الجامعة إلى منع الطلاب من دخول القاعة حيث يعرض المشروع. اكتشف الشعراني، بعد أشهر، أنه مطلوب للاعتقال، ضمن حملة اعتقالات شملت جميع المنتمين لرابطة العمل الشيوعي آنذاك. فتخفّى عن الأنظار لمدة سنة تقريباً، وسافر بعدها إلى بيروت، ثم قبرص، فمصر التي استقر فيها غالبية فترة منفاه القسري التي تجاوزت ربع قرن. عاد الشعراني إلى دمشق في العام 2004، إثر إصدار قوائم عفو شملت العديد من الفنانين في المنفى، إنما اعتقل فور عودته لمدّة 13 يوماً. اليوم، يرى الشعراني أن الحراك السوري ليس وليد لحظته، بل هو نتيجة تراكم وأخطاء. واشتغل الشعراني على ثلاثة أعمال بعنوان «لا»، استخدم فيها الخط الكوفي الشطرنجي، وحمّلها عبارات تعبر عن موقفه من الثورة: «لا للقتل. لا للظلم. لا.. نعم للحرية». نسأله عن رأيه في صمت الكثير من الفنانين السوريين إزاء الأحداث الحالية في سورية، فيقول: «لعلهم يفتقرون إلى الخبرة في العمل المعارض، لذلك لا أستطيع القول إن الفنانين ليس لديهم موقف، وبعض الفنانين اشتغلوا فعلاً على أعمال-موقف لكنهم لم يعرفوا كيف يروجونها أو ينشرونها. ويجب أن نتذكر أن وسيلة التعبير عند الفنان قد لا تختمر بالتوازي المباشر مع الحدث». فالفنان، في رأي الشعراني، «مثل أي مواطن، من حقه الاحتجاج، لكن وسيلة تعبيره موجهة ومحددة، وأنا في الأيام العادية أعمل على عبارات فيها تحريض للعقل وشيء من الفلسفة، لكن اليوم تحمل لوحاتي قدراً من المباشرة، لذلك اشتغلت على لوحات بعنوان لا». ويتضمن اختيار العبارة مشقّة إنجاز اللوحة نفسها، عند الشعراني، لأن العمل يُعبر عن مواقفه السياسية والحياتية. عمل سابقاً على عبارات: «مالكم كيف تحكمون»، و«لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى»، و«تأنّق الذل حتى صار غفراناً»، وبالتالي فحتى حين يعمل على النص الديني، يختار الشعراني عبارات تمس الواقع اليومي. العبارة توجّه الخط، وسائر عناصر اللوحة. فالإيحاء التعبيري للخط يختلف، وفق المعنى. مرن في عبارات الحب، وجاف ومنحن في عبارات أخرى. لكنه كوفي رغم اختلاف أنواعه. ويعرف كل متابع لأعمال الشعراني سيطرة اللون الأحمر على غالبية النقاط في لوحاته، فما الهدف من ذلك؟ يُجيب: «يحمل هذا اللون الحار دلالات كثيرة تبعاً لاستخدامه. يوحي بالدم، وأحياناً بالنار أو الثورة أو العواطف. هو بحد ذاته صفة من صفات الحرارة، استكمال للعناصر الأخرى في لوحة ما، وفي أخرى يكون إيقاعيّاً (موسيقى بصرية)، ويحقق عامل جذب للمتلقي، كما أنه متغير من حيث الإيحاء بين لوحة وأخرى». يعمل الشعراني على الخط العربي بمنطق معاصر. يبحث، بعد العثور على عبارة أو قصيدة، على رابط بينها وبين التكوين واللون، بحيث تؤدي اللوحة دورها في الوصول إلى قلب المتلقي وعقله. وضع منير 12 شكلاً جديداً للبسملة، ليثبت أن الخط العربي لم يصل إلى ذروته بعد، بعدما قيل إن أشكال البسملة استنفدت جميعها. كما عمِل على إخراج الخط العربي من قفص القدسية الذهبي الذي وضعه فيه العثمانيون. ويمكن القول إن تجربة الشعراني قائمة على رفض الموروث السائد، على أنه أساس الحاضر، مع اعتبار عظمته في حينه: «أعمل في مجال توقف التجديد فيه منذ وقت طويل، وأسعى إلى التخلص من تقديس الخط العربي بحد ذاته، لأنه فن قابل للتطوير بشدّة، كما تسمح هيكليته باستكشاف الكثير من الآفاق الجديدة». فالخط بالنسبة إلى الشعراني فن، ليس حرفة أو مقدساً. وللرد على خمسمئة عام من التهميش والتراجع في الخط العربي، لا تكفي مئة أو مئتا لوحة، بل يجب العمل بشكل ممنهج غير قائم على المزاجية، وتعميم ذلك عبر المعارض المختلفة، كما يقول. هو مشروع إذاً. الشعراني من مواليد 1952، خريج كلية الفنون الجميلة-جامعة دمشق 1977. صمم خطوطاً جديدة خاصة به، وله كتابات في النقد الفني والفن العربي والإسلامي، كما له كراسات لتعليم خطوط الرقعة، النسخ، التعليق، الديواني، الثلث، والكوفي. شارك كمستشار فني لأعمال الموسوعة العربية العالمية، وكتب مداخل الخط العربي وأعلامه فيها. صدر كتاب مصور لأعماله، مع دراسة تحليلية للفنان يوسف عبد لكي باللغتين العربية والفرنسية.