اختتمت المطربة ريما خشيش مهرجان الربيع في بيروت موجهة تحية الى المطربة الكبيرة صباح من خلال أغنيات قديمة لها أدّتها بصوتها الجميل والدافئ. وحسناً فعلت «مؤسسة سمير قصير» منظمة المهرجان في اختيار هذه المطربة الشابة التي نجحت في مقاومة موجة «الانحطاط» الغنائي الراهن واختارت الغناء الحقيقي والأصيل المنفتح على العصر والحداثة. وكان اختيار ريما لأغنيات كانت أدّتها صباح في أفلام مصرية ولبنانية، موفقاً جداً وصائباً. فهي ذكّرت جمهور صباح، وربما صباح نفسها، بأنها تمتلك «ريبرتواراً» بديعاً أنجزته في الأفلام المصرية واللبنانية التي مثلت فيها وهي تربو على الثمانين فيلماً، وبأنّ هذه الأغنيات هي من أجمل ما غنّت في الخمسينات والستينات قبل أن تبدأ في مرحلة التراجع مع نهاية السبعينات وما بعد. وذكرت ريما خشيش الجمهور أيضاً بأنّ الأغنيات المصرية التي أدّتها صباح تشكّل «ريبرتواراً» بكامله قد يوازي «ريبرتوارها» اللبناني، وقد لحّن لها كبار الموسيقيين المصريين من أمثال محمد عبدالوهاب وسيد مكاوي وفريد الأطرش ومنير مراد وسواهم. استبقت ريما خشيش في هذه التحية العاطرة جداً التي وجّهتها الى صباح، التحية الأخرى التي سيوجّهها مهرجان بيت الدين الى «الشحرورة» خلال أسبوعين، وقد اختار المهرجان المطربة السورية رويدا عطية لتؤدي مختارات من أغنيات صباح الرائجة شعبياً. لكنّ ريما لم تسبق رويدا زمنياً أو من ناحية الوقت فحسب بل فنياً وعلى المستوى النوعي، اختياراً وأداءً. وأصلاً لا تمكن المقارنة بين هذين الصوتين أو المطربتين، فريما هي ابنة المدرسة الأصيلة في الغناء والطرب وقد تمرّست طويلاً في الأداء الشرقي وصقلت صوتها ليصبح على قدر كبير من المرونة والعذوبة والرهافة، علاوة على الخصوصية التي يتمتع بها هذا الصوت كما الأداء، قوّة ودفئاً وليونة. وكان في إمكان ريما خشيش أن تنساق مع الموجة التجارية الراهنة لكنها رفضت «النجومية» الإعلامية الزائفة وآثرت أن تحافظ على خطها الأصيل. أما الحفلة الغنائية التي أحيتها في «الاسامبلي هول» (الجامعة الأميركية - بيروت) مختتمة بها «مهرجان ربيع بيروت» فكانت بديعة وساحرة، أولاً عبر أغنيات صباح المحفورة في الذاكرة ثم عبر أداء ريما التي رافقتها فرقة موسيقية محترفة غلبت فيها الآلات الوترية (كمان، عود...) إضافة الى الناي والآلات الإيقاعية. أغنيات جميلة أعادت ريما غناءها مضفية عليها حالاً من الإحساس الخاص بها والتطريب والعُرَب وكذلك التقنية الأدائية. وهي لم تسع البتة الى تقليد صباح بل «نوّعت» على أغانيها كما يقال، لتخلق جواً فريداً فيه من صباح ما فيه من ريما. ولعلّ ريما في الأغنيات المصرية استطاعت أن تتخطى اداء صباح نفسها، لأنّها سليلة الغناء الشرقي وتملك قدرة على بلورة الألحان التي وضعها محمد عبدالوهاب ومنير مراد وسيد مكاوي وفريد الأطرش ومحمد الموجي. وفي أحيان استطاعت ريما أن تنسينا صوت صباح، في الأغنيات المصرية، حتى بتنا كأننا نستمع إليها. حلّقت ريما في أغنيات صباح المصرية مثل «روح على مهلك» (منير مراد) أو «أنا هنا يا بن الحلال» (سيد مكاوي) أو «يا كاويني يا علي» (فريد الأطرش) أو «الغاوي» (محمد الموجي) وبدا مطلع هذه الأغنية ساحراً بصوتها الدافئ والمصقول. وحلّقت ريما فعلاً في أغنية «من سحر عيونك ياه» التي لحنها محمد عبدالوهاب وبدت «وهابية» تماماً وفية لروح هذا العبقري ولأسراره التي التقطتها ببراعة. أما في الأغنيات اللبنانية فسعت ريما الى ضبط «دلع» صباح الذي عرفت به، والى عدم تقليدها فأدّتها بإحساسها الخاص مضيفة اليها ملامسها الفريدة. ومن هذه الأغاني «مَرحبتين» (فيلمون وهبة)، «رايحة قابل حبيبي» (عفيف رضوان) و «عالندّا» (الاخوان رحباني)... أعادت ريما خشيش الى جمهور صباح كما الى جمهورها أغنيات قديمة تكاد الذاكرة العامة تنساها، وقدّمت تلك الأغنيات في أداء أصيل بات الجمهور يفتقده في هذه الآونة، وعاودت صياغتها بروح شرقية جديدة أو متجدّدة وبإحساس عميق وفريد. والأمل أن تصدر ريما هذه الأغنيات في أسطوانة وأن تعيد إلينا المزيد من أغنيات صباح، لا سيما المصرية منها، فتعيد صباح الى عصرها الذهبي.