تعرض فضائية عربية شهيرة مسلسلاً تركياً يتناول فترة الحرب التركية - اليونانية بعيد انهيار السلطنة العثمانية وما رافقه من حروب لاقتسام تركتها. ويعج المسلسل بطبيعة الحال بسرديات البطولة والعظمة التركية. ومع مضي أكثر من شهر على العدوان التركي على عفرين وفي سياق محاولات احتلال شمال سورية ككل وإعادة بث الروح في الإمبراطورية العثمانية والتعاطي مع شعوب المنطقة كرعايا لدى السلطان الجديد ومع بلدانها كولايات عائدة للباب العالي، ففي خضم ذلك تتواصل حلقات المسلسل لتقف في إحداها وسط حشد من المواطنين الأتراك ناشطة ضد اليونانيين قائلة: «لقد أتوا مستعمرين وغاصبين أرضنا على رغم ادعائهم حمل غصن الزيتون لنا»، ما شكل إسقاطاً على الحالة العفرينية فيخيل للمرء لوهلة أن المقطع في عفرين وأن القائلة هي ناشطة كردية سورية ضد الاحتلال التركي وأتباعه من الجماعات التكفيرية، ما يستدعي مباشرة الى وعي المشاهد عدوان «غصن الزيتون» على عفرين حيث دخلت الحملة المنفلتة من كل عقال أخلاقي وحقوقي شهرها الثاني تحت هذا المسمى المخادع والمثير للضحك الأسود، فالعملية التي حصدت وتحصد أرواح مئات المدنيين، من أطفال ونساء ومسنين، هي أبعد ما تكون من الزيتون برمزيات السلم والخير والعطاء التي ينطوي عليها. والحال أن مضي بعض الفضائيات العربية في عرض هكذا مسلسلات تقدم التاريخ وفق النظرة القومية التركية وتنفخ في الذات الإمبراطورية الطورانية الكمالية والعثمانية بطبعتها الجديدة الأردوغانية مبعث استهجان وتساؤل. فإن كان مفهوماً ومطلوباً حتى وبحكم العوامل الثقافية والدينية والجغرافية بث دراما اجتماعية وإنسانية تتناول قضايا المجتمع التركي وشؤونه وشجونه، لكن دبلجة وعرض مسلسلات «عنترياتية» من طينة «وادي الذئاب» والتي تنطوي على جرعات استعلاء وتنميط عنصري عالية حيال شعوب وأقوام بأكملها كما الحال مع الكرد مثلاً وحتى العرب (لنتذكر هنا جمال باشا السفاح فقط)، يدفعنا للتساؤل عن خلفيات ذلك وهل الأمر يقتصر على اعتبارات تسويقية وربحية فقط أو يتعدى ذلك الى العزف على وتر السياسات العدوانية والتوسعية لتركيا في المنطقة وبخاصة في العراق وسورية. والأخيرة ويا للمفارقة تتم دبلجة هكذا أعمال عبر أصوات ممثليها وممثلاتها ممن نتيجة الكارثة الوجودية المحيطة ببلادهم وتراجع كي لا نقول انهيار صناعة الدراما حالها حال كل مستويات وقطاعات الاجتماع والإبداع تحولوا الى مجرد مدبلجين لمسلسلات تركية وإن كانت أصلاً موجة انتشار الدراما التركية المدبلجة للعربية وبخاصة عبر المحكية الشامية بدأت إبان شهر العسل بين دمشق وأنقرة قبل سنوات وبقرار سياسي.