الاثنين 30/5/2011: تظاهرة على ورق كم تبدو سورية قريبة للبنان، ليست جارة الجغرافيا فحسب، إنها في أحشاء جسدنا ورسوم خيالنا وتفاصيل الذكريات. هذا القرب هو ما يمنع تظاهرة تأييد للشعب السوري ولسلامه الاجتماعي ولإصلاح نظامه الاقتصادي والسياسي. وبيروت التي طالما تظاهرت تضامناً مع الشعوب العربية كما مع شعوب العالم، تعجز اليوم عن تنظيم تظاهرة واحدة من أجل سورية، أما تلك التجمعات القليلة والهامشية التي تقلق السلطة اللبنانية وقواها الأمنية، فتندرج في توظيف الاحتجاج على الحال السورية في الصراع الداخلي اللبناني، وإن لم يعلنه المتظاهرون أو المنظمون. أربعة عقود من التداخل بين سورية ولبنان تهدد بتحويل أي تظاهرة لبنانية حدثاً سورياً داخلياً، فلا يستطيع اللبناني الانحياز الى سلامة سورية ومستقبلها من دون أن تطاوله شكوك علّمته الأيام كم هي عمياء ومؤذية، فكم من لبناني دفع غالياً ثمن الصراعات بين سورية وأطراف عربية وأجنبية على أرض لبنان، ولا يزال لبنانيون كثر يطالبون بكشف مصير أقارب يظنونهم أحياء أو أمواتاً في سورية، ولا إثبات للظن ولا جواب يُقنع. نتظاهر على الورق لدفع النظام السوري الى موقف أكثر عقلانية وأقرب الى العصر تجاه احتجاجات مواطنيه ومطالبهم، ولدفع المحتجين السوريين الى تبني المواطنة معياراً لتحركاتهم ومطالبهم، فلا ينتهي سعيهم الى العرقنة الحاملة صراعاً ماضوياً يفتك بالأبرياء، ولا الى اللبننة الى طريق مسدود يدفع الى الهجرة. نتظاهر على الورق من أجل سلام سورية، ليسلم لبنان والعرب، وليكون تطور عقلاني ودائم يحفظنا من تمثال أخرس، نقلده بعدم الحركة، حتى نموت طاعة وتخلفاً. الثلثاء 31/5/2011: لهؤلاء للأب يوسف ورعيته في السويد، أبناء الجزيرة الحاملين حرفهم السرياني ومخطوطاتهم الى بلاد الثلج الدائم. لفاضل يكمل هجرة أهله الى فنزويلا فيعرّج وحده صعوداً الى مونتريال حيث يقيم سورياه على الثلج، لجاك يعقوب يترك طيفه في الجامعة اللبنانية دارساً العلوم السياسية ومغنياً لنهر الخابور في تظاهرات الحركة الطلابية، لهالا وهيثم يمزجان العاطفة والعقل في صورة زاهية لسورياهما، سوريانا، والصورة في باريس تخضع لجلسات الراديو تيرابي يقابلها اهتزاز في التلفزيون حيث ما يشبه بشراً يحتجون، للسجّان اللطيف يؤدي عمله بآلية ليحفظ دخيلته الإنسانية، وللسجان غير اللطيف يمارس العنف بلا سبب على بشر أوقعهم حظهم في بئر فاقدي الأمل، لهاني وقد بلغ سن التقاعد يمضي وقته في ساوباولو ما بين نادي زحلة والنادي الحمصي متصفحاً مئات الجرائد والمجلات والكتب التي أصدرها لبنانيون وسوريون في الأميركتين، يعيد قراءتها مؤكداً معنى حرية غابت عن أرضه الأم، لتاريخ سورية العريق وتعويذاته في بيوت متباعدة، تاريخ تطفر منه وجوه فلاسفة كتبوا باليونانية وأباطرة حكموا روما وشعراء أمطروا بلاد العرب بكلامهم الذهبي، لدمشق في قلوب أبناء هجروها ولم ينسوا، لحلب وكنوز طريق الحرير وبيوتها وفنونها إذ رأيت قبساً منها في بنما عند جيران صديق زرته هناك. للذين أطلقوا شعار القومية العربية وشعار القومية السورية ورأوا الجغرافيا الحالية لوطنهم تضيق بطموحاتهم، لهؤلاء تضامننا في الوقت الصغير لتبقى سورية موحدة، بيتاً ووطناً. لقد طلبوا العالم الواسع فكادوا يفقدون ذاتهم المحدودة. لهؤلاء جميعاً الصمت والرجاء بألا يقع الكتاب في أيدي الأميين. الأربعاء 1/6/2011: «رسالة في التسامح» المصادفة وحدها جمعت ثورة يناير المصرية وإعادة إصدار كتاب جون لوك «رسالة في التسامح» بترجمته عن اللاتينية التي أنجزها عبدالرحمن بدوي. مؤلفات وترجمات المفكر المصري الراحل يعاد نشرها تباعاً في القاهرة عن «مركز عبدالرحمن بدوي للإبداع». من «رسالة في التسامح» (1689) هذا المقطع: «لا يحق لشخص خاص بأي حال من الأحوال أن يضرّ بأموال (خيرات) الغير المدنية، أو أن يدمّرها بدعوى أن هذا الغير يؤمن بدين آخر أو يمارس شعائر أخرى. إذ لا بد من المحافظة على كل حقوقه الإنسانية والمدنية باعتبارها حقوقاً مقدسة، إنها لا تخضع للدين، ويجب الاحتراز من ارتكاب أي عنف أو ضرر في حق هذا المسيحي وفي حق أي شخص غير مسيحي على السواء. وينبغي إضافة قاعدة العدالة الى واجبات الإحسان والمحبة. هذا هو ما يأمر به الإنجيل، وما ينصح به العقل، والجماعة التي أقامتها الطبيعة بين الناس. وإذا انحرف أحد عن سواء السبيل، فإنه هو الذي يضلّ، ولن يصيبك أنت أي ضرر من ضلاله هو. ومن أجل هذا لا يجوز لك أن تعاقبه بقسوة ولا أن تحرمه من خيرات هذه الحياة بسبب أنك تعتقد أنه سيعاني في الحياة الآخرة. وما قلته عن التسامح المتبادل الذي ينبغي على الأفراد المختلفين في الدين أن يراعوه بعضهم مع بعض، أقوله أيضاً عما ينبغي أن يكون بين الكنائس المختلفة التي هي، على نحو ما، بمثابة أشخاص خاصين: إنه لا سلطان لواحدة منها على الأخرى حتى لو كان الحاكم المدني يتبع واحدة منها. فما دامت الدولة لا تستطيع أن تمنح حقاً جديداً للكنيسة، وكذلك لا تستطيع الكنيسة أن تمنح الدولة حقاً جديداً. ولهذا، فسواء على الحاكم المدني أن ينضم الى كنيسة أو أن يتركها، فإن الكنيسة تبقى هي هي كما كانت من قبل، أعني جماعة حرة ذات إرادة. إنها لا تكتسب قوة السيف بانضمام الحاكم إليها، كما أنه إذا تركها فإنها لا تفقد بذلك سلطتها التي كانت لها من قبل في أن تُعَلّم وتَحرِم. وسيكون حقاً ثابتاً دائماً لكل جماعة حرة أن تستطيع طرد أي عضو يعتقد أنه يستحق الطرد، وأنها باكتسابها أي أعضاء جُدد لا تملك أي سلطة على من ليسوا من أعضائها. ولهذا، فإن السلام والعدالة والصداقة أمور ينبغي أن تراعيها الكنائس المختلفة بعضها مع بعض، مثلما يراعيها الأفراد، من دون أي مطالبة بهيمنة الواحدة على الأخرى». الخميس 2/6/2011: المدن الميتة موعظتنا في المدن الميتة حيث العمود الوحيد والعشب النابت من حجارة باقية، يفنى العشب وتبقى الزخرفات. وذات ليلة هناك تركوا مدنهم باتجاه الشمال لتحصدها العواصف والعصافير ويسطو على حجارتها بدو وفلاحون. المدن الميتة موعظتنا السورية. الجمعة 3/6/2011: التعليق قصة أزاح داود الشريان جانباً عناوين الأخبار الرئيسة والفرعية، لم يهتم بالتعليق على أي منها بعدما طفت على سطح ذاكرته صورة أرملة اسمها مريم ووحيدها الطفل إبراهيم، تركهما الأب الى الفقر والوحدة فاستعانا على العيش بخدمة البيوت. السيدة تساعد النساء في أعمالهن اليومية من دون أن تسمى خادمة، ويعاونها ابنها إبراهيم لقاء ما يقيم أودهما. وفي مسار الفقر هذا تحلم مريم بأن يشب ابنها ويمتلك مالاً وعقاراً ويتزوج، وتأمل في كل الأحوال أن يقدم لها القهوة بالهيل، فهي لم ترشفها منذ توفي زوجها الشاب. يكمل داود الشريان صورة المأساة في تعليقه «أضعف الإيمان» في «الحياة» عدد الاثنين 20 كانون الأول (ديسمبر) 2010، فيرسم موت مريم قبل أن ترى ابنها متزوجاً، ثم يتتبعه وهو يزور قبرها واضعاً القهوة بالهيل عند شاهد القبر. وينقل أهل الحي أن الفتى يتحدث الى والدته كأنها حية ترزق ويقدم لها القهوة ضاحكاً وباكياً حتى اخضر شاهد القبر لكثرة ما أهال عليه من القهوة. وتكتمل المأساة بموت إبراهيم بعدما داسته سيارة أثناء ذهابه الى قبر والدته. هنا تختفي رائحة الهيل ويصفرّ شاهد قبر أم إبراهيم بعدما كان أخضر. لا بد من سند واقعي ليندفع كاتب سياسي الى كتابة تعليق ميلودرامي يذكّر بأفلام هندية أو مصرية. لكن تعليق داود الشريان المعنون ب «شاهد قبر أخضر» ألهم الروائي السعودي محمد علوان قصته القصيرة «رائحة الهيل» التي نشرها في 24 أيار (مايو) 2011. يعتمد محمد علوان السرد المزين بتفاصيل الحركة في المكان والحركة داخل النفس، ليعيد صوغ تعليق داود الشريان في ثوب قصصي. وهو بذلك يضيف التعليق الصحافي الى مصادر النص الدرامي، قصة أو رواية أو مسرحاً، بعدما اقتصر هذا النص على مصادر مركبة من الذاكرة الشخصية والجماعية والكتابات الكلاسيكية والتواريخ البدائية والحدث اليومي والبعد التخييلي حين يبني عالماً كاملاً من فُتات عوالم صغيرة تكاد تضمحل.