يوقف سيارته نوع تويوتا كورولا، بمحاذاة سيارات من ماركات مختلفة احتلت ساحة مقهى يقدّم خدمات مضافة لزبائنه غير المشروبات الساخنة والباردة والسندويشات السريعة. بإشارة من يده يقترب شاب يحمل في إحدى يديه «شيشة» (نارجيلة) جاهزة، يضعها بالقرب من نافذة السائق، يجهزها، يتأكد من أن نارها متقدة، وأنها تجلس باستقرار ويغادر. أكرم زبون معروف في هذا المقهى، لذا لا يحتاج لتحديد نوع النكهة التي يرغب فيها مع شيشته، لكن آخرين لا بد من أن يوضحوا للشاب الذي يتناوب على خدمتهم ما أن ينادوه أو ان يشيروا له بأيديهم، إلى نوعية النكهة التي يرغبون فيها. يقضي أكرم بصحبة صديقه ساعتين أو ثلاثاً، داخل السيارة يدخنان الشيشة ويستخدمان خدمة «الوايرلس» على كومبيوتريهما المحمولين، مستفيدين من الخدمة التي يوفرها المقهى للزبائن الى جانب خدماته العادية. هي ظاهرة جديدة في صنعاء، بات اليمنيون يدخنون النارجيلة داخل سياراتهم في الشوارع العامة، وهي خدمة غير عامة، وهي غير متاحة في كل مقاهي العاصمة أو شوارعها، فتلك ميزة لا تزال تحتكرها شوارع الأحياء الراقية، ولا تقدم في المقاهي الأخرى. غير أن الشيشة اقتحمت البيوت منذ سنوات، واستطاعت أن تفرض وجودها بقوة في جلسات النساء وبخاصة الفتيات، لتزيح «المداعة» عن العرش، والمداعة هي أرجيلة أيضاً لكنها أكبر حجماً وخرطومها أكبر، ويستخدم التنباك في مقابل المعسل المتعدد النكهات المستخدم في الشيشة. وصارت الشيشة وبأشكالها وألوانها الجاذبة وأحجامها وأوزانها الخفيفة، وإمكان تفكيكها إلى قطع وحشرها في حقيبة أنيقة، مرغوبة أكثر من «المداعة» والتي يسبب دخانها الكثيف وصوتها العالي أثناء الشفط إزعاجاً لغير المدخنين. لأجل ذلك ولتوافرها أيضاً وتخصص محلات منذ حوالى عقد من الزمان في بيعها ولوازامها، استطاعت الشيشة - الدخيلة - على الثقافة اليمنية أن تنتصر على «المداعة»، وتحظى بجمهور من كل الفئات المجتمعية، جمهور لا يلقي بالاً بالتأكيد لأضرارها الصحية الفادحة. تجتمع نوال مع صديقاتها في منزلها كل خميس، والشيشة ضيف الشرف الذي يحضر مع الصديقات، بصحبة القات، لتحلو الجلسة كما تقول نوال، والتي تدخنها بصحبة والدتها في الأيام العادية، لكنها لم تتجرأ بعد على الظهور بها أمام والدها أو أخوها الكبيرعلى رغم علمهم أنها «تشيش». في الأعراس والجلسات النسائية تنافس الشيشة برائحة معسلاتها المميزة، دخان المداعة وغرغرتها، وتبدو المرأة التي تدخنها بمظهر أكثر أناقة من تلك التي تدخن «المداعة»، والأخيرة غالباً تجدها في أيدي النساء الكبيرات في السن، واللواتي يحافظن على الظهور بمظهرهن القديم المألوف من ملابس وحلي وأيضاً «مداعة». وإن كان الرجال يرفضون أن تتعاطى اخواتهن الشيشة في بيوت صديقاتهن، فإنهم لا يمانعون من أن يدخنوها في المنزل بصحبة زوجاتهم في جلسات خاصة نهاية الأسبوع. ويبقى مشهد امرأة يمنية تدخن الشيشة في مقهى عام مرفوض من الجميع رجالاً ونساء، إلا أن الفتيات والنساء يستطعن تدخينها في غرف لا يصل إليها إلاّ من يقدم لهن الخدمة داخل تلك المقاهي الراقية المحدودة العدد في العاصمة صنعاء، ما يمكّنهن من تناولها خارج جلسات الفتيات ومن دون قات أحياناً.