دقت «القمة العالمية للحكومات»، التي انطلقت في دبي أمس، ناقوس الخطر للدول التي لم تبدأ بالإصلاح والتغيير، لتستقبل تحديات جديدة بدأت ملامحها تتبلور، في وقت ظهرت على السطح تعاملات مالية رقمية وبدأت معالم «ثورة صناعية رابعة» تفرض ذاتها، مع ظهور ابتكارات وتقنيات وأساليب جديدة لم يشهدها العالم من قبل من شأنها دمج العوالم المادية والرقمية والبيولوجية بطرق يمكن أن تحدث تحولاً جذرياً للبشرية، إضافة إلى تحديات المناخ والتعليم والصحة واكتشافات الفضاء. واكد مسؤولون من مؤسسات دولية وإقليمية خلال القمة التي شارك فيها حوالى 4 آلاف شخص من رؤساء دول ومسؤولين ومؤسسات دولية وخبراء من 140 دولة، أن «ثروة البيانات ستكون أغلى من الثروة النفطية» خلال المرحلة المقبلة، التي من المتوقع أن تواجه حكومات العالم خلالها، ضغوطاً متزايدة لتأمين فرص عمل للأجيال المقبلة في ضوء الرقمنة والذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة والطباعة الثلاثية الأبعاد. وتوقع وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل الإماراتي رئيس القمة محمد القرقاوي، أن «يشهد العالم خلال السنوات ال30 المقبلة، تغيرات وتطورات أسرع مما شهده خلال ال3000 عام السابقة»، لافتاً إلى أن «47 في المئة من الوظائف ستختفي خلال السنوات المقبلة بسبب الذكاء الاصطناعي»، مضيفاً أن «ما يستثمر حالياً في مجال الذكاء الاصطناعي عالمياً يفوق ما يستثمر في قطاع النفط»، متوقعاً أن «يضيف في عام 2030 أكثر من 15 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر من عشرة أضعاف قيمة مبيعات النفط عالمياً». وأكد رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب، على «أهمية الأمن الإلكتروني خلال عصر تدفق البيانات»، مضيفاً أن «العالم يحتاج مزيداً من التعاون الدولي، خصوصاً في مجال الأمن الإلكتروني، لان اقتصادات العالم باتت رقمية أكثر من أي وقت مضى». وفي ضوء هذه التغيرات المتوقع أن يشهدها العالم، شددت المديرة العامة ل «صندوق النقد الدولي» كريستين لاغارد، على «ضرورة التغيير وإجراء الاصلاحات، استعداداً للمستقبل»، مشيرة إلى «ضرورة الانتقال من الحديث عن منظمات ودول نحو الحديث عن كيانات قادرة على مواكبة المتغيرات التي يشهدها العالم، في وقت تتخطى البيانات والأموال الحدود، ما يتطلب إصلاحات على المستوى الوطني في كل الدول، لا سيما في ما يتعلق بتدريب الشباب على التقنيات الحديثة، ليتمكنوا من مواكبة العصر، في وقت يدخل الى سوق العمل 5 ملايين شخص سنوياً». وشهدت القمة اجتماعات دولية لمنظمات التعاون الاقتصادي والتنمية و «اليونسكو» و «البنك الإسلامي للتنمية» و«صندوق النقد الدولي»، و«منظمة الصحة العالمية» و«منظمة التجارة العالمية»، لبحث التحديات السياسية والاقتصادية والمالية التي يشهدها العالم. وعرض بعض المسؤولين الإصلاحات التي يشهدها بلدهم استعداداً لمواجهة «التحديات الكبرى المقبلة»، على حد تعبير رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب، الذي قال إن «التحولات المتلاحقة التي يشهدها عالمنا اليوم تحتم علينا الاستعداد الجيد للمستقبل. وحتى نكون على مستوى التحديات، يجب تطوير عملية التعليم في مراحله كافة، والاستمرار في تدريب الكوادر، ما يساهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي في العالم»، مؤكداً «ضرورة تطبيق سياسات ثابتة ومستقرة وتشجيع الشركات وتحسين التنافسية والكفاءة في الإدارة المالية لبلوغ أهداف التنمية المنشودة». وأشار إلى أن فرنسا اتجهت نحو «اختيار رئيس شاب للمرة الأولى في تاريخها، وغيرت قوانين تحسين تنافسيتها أمام دول العالم، واتجهت إلى الحد من الدَين العام وخفضه خمسة نقاط خلال السنوات الخمس المقبلة، كما أنها تخطط للإنفاق على قطاعها الدفاعي أكثر مما أنفقته في السابق لمواجهة التهديدات الإرهابية». وقال إن «من مسؤولياتنا أن نحدث تأثيراً في العالم». وشدد المدير في «المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي» نيل ديغلاس، على «ضرورة الابتعاد من العقلية القائمة على الخوف التي تدفعنا إلى الاستثمار في الحروب، بدلاً من استكشاف الفضاء»، مشيراً إلى أن «العالم ينفق 330 بليون دولار سنوياً لاستكشاف الفضاء». وبحث المسؤولون والمنظمات الدولية خلال القمة آليات مواجهة التحديات العالمية، وطرحوا قضايا ملحّة تواجهها البشرية في الوقت الراهن. ومن المتوقع أن يبحثوا خلال ثلاثة أيام عن حلول مبتكرة لها، وسبل الارتقاء بالأداء الحكومي العام وطرق التعامل مع التغيرات المتسارعة والاستعداد لها وتطويعها واستثمارها على النحو الأمثل. كما تبحث القمة آفاق التطورات المستقبلية في القطاعات العلمية والتقنية والطبية والصحية والمجتمعية، وكيفية استثمارها وتوجيهها لما فيه مصلحة المجتمعات الإنسانية، بما يكفل بناء مستقبل مستدام للأجيال الشابة. ويشمل جدول اليوم من أعمال القمة العالمية للحكومات كلمات وجلسات رئيسة، يشارك فيها عدد من القيادات والشخصيات ومجموعة من كبار المؤثرين عالمياً، من ضمنها جلسة بعنوان «دور الحكومات في بناء رأس المال البشري» يشارك فيها رئيس «البنك الدولي» جيم يونغ كيم، فيما تتحدث رئيسة بورصة «ناسداك» أدينا فريدمان عن تجربتها في جلسة بعنوان «كيف تدير سوقاً مالياً قيمتها 7.45 تريليون دولار».